نظرية التعددية القطبية

تناول الجزء الأول من هذه السلسلة النماذج المختلفة للنظام العالمي.

درس الجزء الثاني كيف أن التحول نحو النظام العالمي المتعدد الأقطاب، قد قادته بعض الشخصيات المدهشة.

استكشف الجزء الثالث، تاريخ فكرة العالم المنظم ك “توازن القوى” أو النظام المتعدد الأقطاب. أولئك الذين دافعوا عن هذا النموذج، على مر الأجيال سعوا باستمرار إلى نفس الهدف: الحكامة العالمية.

في الجزء الرابع، سننظر في النظريات التي يقوم عليها النظام الوشيك المتعدد الأقطاب، و طبيعة الأوليغارشية بين القطاعين العام و الخاص في الصين و روسيا، وظهور “القوة العسكرية” لهاتين الدولتين.

السياق الأوسع لحرب أوكرانيا

لا يوجد دليل يشير بأي شكل من الأشكال، إلى أن الحرب في أوكرانيا هي حرب «مزيفة». الاختلافات السياسية و الثقافية بين سكان أوكرانيا أقدم من الدولة القومية. و الصراع الحالي متجذر في توترات طويلة الأمد و حقيقية للغاية. الناس يعانون و يموتون، و هم يستحقون الفرصة للعيش في سلام.

مع ذلك، وبعيدا عن العوامل المحددة التي أدت إلى الصراع في أوكرانيا وأدامته، هناك سياق أوسع نطاقا يستحق المناقشة أيضا.

إذا كان تجنب الحرب هو الهدف.

مهما كانت، فإن الحرب في أوكرانيا هي نقطة ارتكاز للانتقال في ميزان القوة الجيوسياسية. مثل الجائحة الكاذبة التي سبقتها مباشرة، تعمل الحرب على تسريع تحول القطبية.

لقد أتيحت للقادة المزعومين في الغرب و الشرق فرصة و قوة وافرتين، لجلب كلا الجانبين في حرب دونباس إلى طاولة المفاوضات. كانت محاولاتهم للتوسط في وقف إطلاق النار و تنفيذ اتفاقيات مينسك المختلفة على مر السنين ضعيفة و فاترة. كلا الجانبين، على ما يبدو، اختارا بدلاً من ذلك، ممارسة السياسة مع حياة الأوكرانيين. و أدى كلا الجانبين إلى تأجيج الصراع في نهاية المطاف. لم يفعل الغرب الكثير لكنه أدى إلى تفاقم الوضع. و على الرغم من أنها واجهت خيارًا اقتصاديًا صعبًا، كان بإمكان الحكومة الروسية، بالتأكيد، الاستفادة من موقعها القيادي في سوق الطاقة الأوروبية لتحقيق تأثير أفضل.

لقد كانت حرب أوكرانيا بداية نظرية التعددية القطبية و لا زالت مستمرة إلى الآن.
جندي أوكراني

كان وزير الدفاع البريطاني “بن والاس” محقًا عندما لاحظ أن حرب أوكرانيا هي «هدية لحلف الناتو». مثلما سلم الغرب له [حلف الناتو] السياسة النقدية للحكومة الروسية، فقد أنقذت إدارة بوتين الناتو من تلاشي أهميته. يتم تعزيز كلا القطبين، إذا كان لأسباب مختلفة.

في الوقت نفسه، يستفيد الاتحاد الأوروبي من الحرب و العقوبات التي فرضها، من أجل تنشيط حملته نحو التوحيد العسكري للاتحاد الأوروبي.

إعادة توازن القوة العسكرية

تشارك المملكة المتحدة في هذه الحملة، على الرغم من أن سكانها اختاروا في عام 2016، عن طريق الاستفتاء، مغادرة الاتحاد الأوروبي تحديدا. لأن غالبية الناخبين لم يرغبوا في التخلي عن «السيادة الوطنية» لقيادة الاتحاد.

لكن، كما نرى، لا يهم ما الذي يصوت لصالحه الناس أو ضده. على الرغم أنه من المفترض أنها غادرت الاتحاد الأوروبي، فقد وقع للتو رئيس وزراء بريطانيا غير المنتخب، على أن المملكة المتحدة كـ «دولة ثالثة»، ملزمة باتفاقيات التعاون المنظم الدائم (PESCO)، تحت القيادة العسكرية المباشرة لبروكسل. بما أن المملكة المتحدة تسلم جزئيًا قدرتها الدفاعية المستقلة إلى الاتحاد الأوروبي، فإنها تلعب دورها في المساعدة على ظهور قطب آخر.

إن النظام النقدي و المالي الدولي، الذي ضمن حتى الآن الهيمنة الأحادية القطب، يتحول الآن بعد أن وصل إلى نهاية دورة حياته. ويجري خنق النمو الاقتصادي عمدا في الغرب من خلال فرض العقوبات، و لكن يتم تشجيعه في الشرق. و تجري إعادة توجيه تدفقات الطاقة و أنماط الاستهلاك شرقا. و في الوقت نفسه، تجري “إعادة توازن” القوة العسكرية الفعالة.

خلال الجائحة الكاذبة، رأينا الكثير من الأدلة على التنسيق العالمي. على غير العادة، تصرفت كل حكومة تقريبًا بخطى ثابتة. اتبعت الصين و الولايات المتحدة و روسيا و ألمانيا و إيران و المملكة المتحدة و العديد من الدول الأخرى نفس الرواية الكاذبة. و شارك الجميع في إغلاق سلاسل التوريد العالمية و الحد من التجارة الدولية. استجابت معظم البلدان بجدية للمسار المفضل للمنتدى الاقتصادي العالمي لـ «الإقليمية» العالمية. الفئة القليلة التي قاومت اعتبرت منبوذة دوليا.

ماذا حدث منذ ذلك الحين؟ قيل لنا إن الحرب في أوكرانيا أعادت تقديم نفس الانقسام القديم بين الشرق و الغرب الذي يعرفه معظمنا أكثر. و مع ذلك، تظل الدول بشكل غريب في اتفاق كامل بكل الطرق المهمة الأخرى تقريبًا. يبدو أن الحرب في أوكرانيا عمليا هي الخلاف الوحيد.

مراكز الفكر الروسية

إن النظام العالمي المتعدد الأقطاب المقترح، لا يشكل دفاعا عن الدولة القومية. لقد ناقشنا بالفعل كيف يتوافق النموذج متعدد الأقطاب، بدقة تامة مع أجندة “إعادة الضبط الكبرى” (GR)، لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئا أن نظرية التعددية القطبية ترفض أيضا مفهوم “وستفاليا” المقترح للسيادة الوطنية.

يوجد في روسيا العديد من مراكز الفكر و المنظمات الحكومية و غير الحكومية (GONGOs). و كما هو الحال في الغرب، يتم تمويلها و التأثير عليها من قبل كل من القطاعين العام و الخاص، و تعمل في شراكة. و كما أشارت وكالة أبحاث الدفاع السويدية، فإن تمويل مراكز الأبحاث الروسية “يأتي جزئيا من الحكومة و الباقي من الجهات الفاعلة و العملاء من القطاع الخاص، و عادة ما تكون شركات كبرى”.

كاتهون Katehon هي مؤسسة فكرية «مستقلة»، أنشأها الأوليغارشي الروسي كونستانتين مالوفييف، الذي عوقب من قبل الولايات المتحدة منذ 2014 لدعمه الروس الأوكرانيين، أولاً في شبه جزيرة القرم ثم في دونباس. يضم مجلس إدارة Katehon سيرجي جلازييف، الاقتصادي و السياسي الذي يشغل منصب المفوض الحالي للتكامل الاقتصادي الكلي للاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي (EAEU).

معارضة الأحادية القطبية

في عام 2018، أشار “كاتهون”، رغم أن الحديث كله عكس ذلك، إلى تعريف تعدد الأقطاب على أنه إلى حد كبير، يعني معارضة الأحادية القطبية. أي أنه يتم التعبير عنه من حيث ما ليس كذلك و ليس ما هو عليه. سعى كاتهون إلى تصحيح ذلك، و قدم نظريته للعالم المتعدد الأقطاب (TWM):

   ” لا تتطابق [نظرية]التعددية القطبية مع النموذج الوطني للتنظيم العالمي وفقا لمنطق النظام الوستفالي. [. . .] يفترض هذا النموذج الوستفالي، المساواة القانونية الكاملة بين جميع الدول ذات السيادة. في هذا النموذج، هناك العديد من أقطاب قرارات السياسة الخارجية في العالم، كما أن هناك دولا ذات سيادة [. . . ] و يستند كل القانون الدولي إلى ذلك. في الممارسة العملية، بطبيعة الحال، هناك عدم مساواة و تبعية هرمية بين مختلف الدول ذات السيادة. [. . .] يختلف العالم المتعدد الأقطاب عن النظام الويستفالي الكلاسيكي، نظرا لأنه لا يعترف بالدولة القومية المنفصلة، ذات السيادة القانونية و الرسمية، قصد الحصول على وضع قطب كامل. هذا يعني أن عدد الأقطاب في عالم متعدد الأقطاب يجب أن يكون أقل بكثير من عدد الدول القومية المعترف بها (و بالتالي غير المعترف بها). [نظرية]التعددية القطبية ليست نظامًا للعلاقات الدولية يصر على المساواة القانونية للدول القومية [.]”.

المنافسة الصينية الأمريكية حول قيادة العالم.

و أشار كاتيهون “katehon” إلى أن العالم أحادي القطب لا يحمي الدولة القومية أكثر من النموذج متعدد الأقطاب. وفقا لكاتيهون ، كان النموذج الويستفالي، في تطبيقه ، دائما أسطورة. قد نقول إنها مجرد “فكرة” أخرى يروج لها القادة السياسيون لخداعنا بقبول أهداف السياسة التي يخلقونها. إنهم يستغلون أحيانا “القومية” لأنها مفيدة.

تأليف إيان دافيس / ترجمة منير علام.

يتبع…

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *