مشروع إعادة الضبط الكبرى

كما ذكرنا سابقا، يعلن المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) نفسه كمنظمة رائدة للشراكات العالمية بين القطاعين العام و الخاص (G3P). في عام 2019، حاول المنتدى الاقتصادي العالمي الرهان على مطالبته من خلال الدخول في شراكة استراتيجية مع الأمم المتحدة. و كان الهدف العام للشراكة هو “تسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030”.

لقد أدخل المنتدى الاقتصادي العالمي نفسه بشكل واضح في الرواية العالمية على مدى السنوات القليلة الماضية. و على الأخص مع إعادة الضبط الكبرى المزعومة (GR). الكتاب الذي يحمل هذا الاسم، و الذي كتبه كلاوس شواب و تيري مالريت. و الذي يُزعم أنه «ردًا» على الجائحة العالمية المزعومة. هو مجرد كتاب آخر في سلسلة طويلة من المحاولات لاستغلال الخوف و القلق العام لبيع مجموعة من أجندات السياسة.

جائحة كوفيد 19، تمثل بداية تنفيذ أجندة مشروع إعادة الضبط الكبرى.
جائحة كوفيد 19، تمثل بداية تنفيذ أجندة مشروع إعادة الضبط الكبرى.

فحوى كتاب إعادة الضبط الكبرى.

يتمثل فحوى الكتاب و مشروع إعادة الضبط الكبرى في تقديم «تحليل» و «اقتراح» حلول ممكنة بروح التضامن و التعاطف مع الإنسانية و الطبيعة. حاولت العقول المبهرة التي تقف وراءها مساعدتنا على «فهم ما سيأتي في العديد من المجالات». إنها ليست خطة بل نصيحة ودية. على الأقل، هذا ما يدعيه المنتدى الاقتصادي العالمي.

يمثل المنتدى الاقتصادي العالمي أقوى الشركات العالمية على وجه الأرض. كما رأينا في العامين الماضيين، يمكن لشركات الأدوية وحدها أن تشكل قرارات السياسة العالمية و تقودها في كثير من الأحيان. قد يحتاج المرء إلى أن يكون ساذجًا للغاية ليتصور أن المنتدى الاقتصادي العالمي و أصحاب المصلحة (الأعضاء) لا يمكنهم فرض التأثير الذي يزعمون أنه مجرد نصح. هذا هو السياق الذي سنحلل فيه كلماتهم.

وفقًا للثنائي، فإن «جوهر» “إعادة الضبط الكبرى”، هو خطة لاستبدال «الأفكار و المؤسسات و العمليات و القواعد الفاشلة بأفكار جديدة أكثر ملاءمة للاحتياجات الحالية و المستقبلية». كما هو الحال مع كل مؤسسة فكرية غربية و «منظمة دولية» تقريبًا، فإنهم يقرون بأن التحول إلى العالم متعدد الأقطاب أمر لا مفر منه ببساطة:

” من المرجح أن يكون القرن الحادي و العشرون حقبة خالية من الهيمنة المطلقة التي لا تكتسب خلاله أي قوة هيمنة مطلقة. [. . .] في هذا العالم الجديد الفوضوي المحدد بالتحول نحو تعدد الأقطاب و المنافسة الشديدة على النفوذ. لن تكون الصراعات أو التوترات مدفوعة بالأيديولوجية”. – [The Great Reset (TGR), p. 76]

في ” إعادة الضبط الكبرى”. اختفت الفروق القديمة بين اليمين و اليسار، و الليبرالية، و المحافظة، و الاشتراكية، و حتى التطرف في الفاشية و الشيوعية. بالنسبة إلى المنتدى الاقتصادي العالمي، كل ما تبقى هو حماية البيئة العالمية. و التي، كما يزعم المؤلفون المشاركون في الكتاب، ليست أيديولوجية:

فرصة المنتدى الاقتصادي العالمي

 ” و من حيث المخاطر العالمية. فإن تغير المناخ و انهيار النظام الإيكولوجي (و هما الخطران البيئيان الرئيسيان) هما أكثر ما يساوي الوباء بسهولة. تمثل هذه العوامل الثلاثة، بطبيعتها و بدرجات متفاوتة، تهديدات وجودية للبشرية. و يمكننا أن نجادل بأن كوفيد-19 قد أعطانا بالفعل لمحة أو تصورا مسبقا لما يمكن أن تستلزمه أزمة المناخ الكاملة و انهيار النظام الإيكولوجي من منظور اقتصادي”. –  [The Great Reset (TGR), p. 95]

لحسن الحظ، بالنسبة للمنتدى الاقتصادي العالمي و شركاؤه، فإن هذه الإبادة الوشيكة هي في الواقع «فرصة»، أو هكذا يقولون:

” النقطة الأوسع هي أن إمكانيات التغيير و النظام الجديد الناتج عنها، أصبحت الآن غير محدودة ولا ترتبط إلا بخيالنا، [.] يمكن للاقتصادات، عندما تتعافى، أن تسلك طريق المزيد من الشمولية و أن تكون أكثر انسجامًا مع احتياجات مشاعاتنا العالمية”. – [The Great Reset (TGR), p. 17]

بتبني التسارع بحماس ، يدعي شواب و ماليريت:

” [بدون تأخير، نحتاج إلى بدء إعادة الضبط الكبرى. هذا ليس “شيء لطيف” و لكنه ضرورة مطلقة. [. . .] يمنحنا الوباء هذه الفرصة: “يمثل فرصة نادرة و لكنها ضيقة لتأمل و إعادة تصور و إعادة ضبط عالمنا”. [مقتبس منسوب إلى كلاوس شواب.] –  [The Great Reset (TGR), p.172]

و:

” مع استئناف الاقتصادات، هناك فرصة لتضمين أكبر قدر من المساواة المجتمعية و الاستدامة في الانتعاش. و تسريع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بدلاً من تأخيره [.] – [ The Great Reset (TGR), p. 175]

تراجع العولمة

المشكلة الوحيدة التي يتوقعها هذا الثنائي مع “التحول نحو التعددية القطبية” هي أن التراجع المرتبط ب”العولمة” قد يحدث بسرعة كبيرة. بالطبع، وفقا لهم، فإن التراجع السابق لأوانه من شأنه أن يسبب “الفوضى” – لذلك يجب أن نكون خائفين بشكل فعلي من هذا الاحتمال. و بالتالي، فإن “شكل العولمة” الجديد لن يكون “قابلا للتطبيق” في نظرهم إلا إذا كان النظام الشامل الصحيح قائما بحزم: الحكامة العالمية. على حد تعبيرهم:

” إن الانسحاب السريع من العولمة سوف يستلزم حروباً في التجارة و العملات. مما يؤدي إلى الإضرار باقتصاد كل بلد، و إثارة الفوضى الاجتماعية و إثارة القومية العرقية أو العشائرية. إن إنشاء شكل أكثر شمولاً و إنصافًا للعولمة يجعله مستدامًا، اجتماعيًا وبيئيًا، هو الطريقة الوحيدة القابلة للتطبيق لإدارة التراجع. و هذا يتطلب حلولاً سياسية. [. . .] و شكلا من أشكال الحكامة العالمية الفعالة”. – [ The Great Reset (TGR), p. 81]

يزعم شواب و ماليريت أن الانهيارات التي بدأت بالجائحة الكاذبة تثير ما يعتبرونه احتمالا مؤسفا لـ «عجز في النظام العالمي». لذلك، في غياب «الهيمنة المطلقة» – النظام العالمي أحادي القطب – يجب على الدول القومية أن تجد طريقة «للتعاون على المستوى العالمي».و قالا:

 ” إذا لم تستطع قوة واحدة فرض النظام، فسيعاني عالمنا من «عجز في النظام العالمي». ما لم تنجح الدول بمفردها و المنظمات الدولية، في إيجاد حلول للتعاون بشكل أفضل على المستوى العالمي، فإننا نخاطر بالدخول في «عصر الانتروبيا (الفوضى)». حيث سيؤدي التقلص و التشرذم و الغضب و ضيق الأفق، إلى تحديد مشهدنا العالمي بشكل متزايد، مما يجعله أقل وضوحًا و أكثر اضطرابًا. لقد كشفت الأزمة الوبائية هذه الحالة المحزنة و أدت إلى تفاقمها”.

 [ The Great Reset (TGR), p. 76]

خلق التعددية القطبية

تم تصميم ما يسمى بإعادة الضبط الكبرى، لإدارة و استغلال الانهيار المنظم للنظام العالمي أحادي القطب، ليتم تحديد الطريق نحو التعددية القطبية و العولمة المعاد تصميمها و النظام الجديد. إن “إزالة العولمة” المتأصلة في النظام العالمي المتعدد الأقطاب، هي التي توفر “الفرصة” المقترحة للشراكة العالمية بين القطاعين العام و الخاص. لا أحد، و خاصة المنتدى الاقتصادي العالمي، يقترح الإبقاء على “العولمة المفرطة” ل “الهيمنة المطلقة”. و أوضحوا:

 ” لا جدوى من محاولة استعادة الوضع الراهن. [. . . ]، و لكن من المهم الحد من الجانب السلبي للسقوط الحر المحتمل، الذي من شأنه أن يعجل بأضرار اقتصادية كبيرة و معاناة اجتماعية. [. . .] و لن يتحقق هذا إلا من خلال تحسين الحكامة العالمية، العامل الأكثر “طبيعية” و فعالية في التخفيف من حدة الاتجاهات الحمائية. [. . .] ليس هناك وقت نضيعه. و إذا لم نحسن أداء مؤسساتنا العالمية و شرعيتها، فإن العالم قريبا سيصبح غير قابل للإدارة و خطيرا جدا. و لا يمكن أن يكون هناك انتعاش دائم بدون إطار استراتيجي عالمي للحكم”. – [The Great Reset (TGR), p.81]

هذا «الإطار الاستراتيجي» هو الحكامة العالمية لعالم متعدد الأقطاب. و يدعي المنتدى الاقتصادي العالمي أن هذه ببساطة هي الاستجابة الأكثر «طبيعية» للأزمات العالمية. بالنظر إلى أن الدول القومية الفردية، من وجهة نظر المنتدى الاقتصادي العالمي، غير قادرة على معالجة مشاكل العالم. و بالتالي، بالنسبة للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن مؤسسات الحكامة العالمية المتعددة الأطراف، مثل شريكه الاستراتيجي، الأمم المتحدة، هي وحدها القادرة على تجنب الكارثة. هذا هو «جوهر» إعادة الضبط الكبرى، كما يوضح الكتاب:

” [بدون] إدارة عالمية مناسبة، سنصاب بالشلل في محاولاتنا للتصدي للتحديات العالمية و الاستجابة لها. لا سيما عندما يكون هناك تنافر قوي بين الضرورات المحلية قصيرة الأجل و التحديات العالمية طويلة الأجل. هذا مصدر قلق كبير” [.] –

[The Great Reset (TGR), p.83]

عالم متعدد الأطراف

” خلاصة القول هي أن في مواجهة مثل هذا الفراغ في الحكامة العالمية، تكون الدول القومية وحدها متماسكة بما يكفي لتكون قادرة على اتخاذ قرارات جماعية. لكن هذا النموذج لا يعمل في حالة المخاطر العالمية التي تتطلب قرارات عالمية منسقة. و سيكون العالم مكانا خطيرا جدا إذا لم نصلح المؤسسات المتعددة الأطراف”. – [The Great Reset (TGR), p.85]

إعادة تنظيم العالم وفق أجندة المنتدى الاقتصادي العالمي.

إن “خلاصة القول” للمنتدى الاقتصادي العالمي هي أن نموذج ويستفاليا، سواء كان حقيقيا أم متخيلا، ببساطة غير مجهز للتعامل مع “التحديات العالمية”. و الحكم العالمي “المتعدد الأطراف” هو وحده القادر على تجنب الانزلاق إلى عالم “بالغ الخطورة”. و بالتالي، هناك حاجة إلى التحول نحو التعددية القطبية.

هذه هي بالضبط الحجج التي يقدمها القادة المفترضون للنظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب.

إن الادعاء، كما يفعل البعض، بأن «إعادة الضبط الكبرى» تمثل دفاعًا عن النظام أحادي القطب، و أن التحول نحو نموذج متعدد الأقطاب هو نوع من الترياق لإعادة الضبط الكبرى، يبدو أنه يعتمد على سوء فهم أساسي لما تعنيه إعادة الضبط الكبرى.

تأليف “إيان دافيس”، ترجمة “منير علام”.

يتبع…

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *