قمة المناخ 28

احتضنت الإمارات قمة المناخ 28 من 30 نونبر إلى 12 دجنبر 2023 و تم اختيار إمارة دبي لاستقبال الوفود المشاركة في أشغال القمة. و نظرا لحساسية هذا الحدث. فقد انخرطت فيه حوالي 200 دولة كلها تريد التخلص من تهديد التحول المناخي الذي يعد نتيجة للاحتباس الحراري. و بفعل الآثار السلبية للتحول المناخي على حياة البشر. فإن الدول المشاركة في أشغال قمة المناخ 28 تسعى للتخفيف من حدة الفيضانات و تقليل حرائق الغابات.
انطلقت مؤتمرات المناخ سنة 1995 و كانت تفعيلا لمخرجات قمة الأرض التي انعقدت في ريو دي جانيرو بالبرازيل سنة 1992، و ركزت على ضرورة العمل على التنمية المستدامة، لأن البيئة أصبحت تعاني من عدة إرهاصات و الموارد صارت تواجه ندرة تتزايد باستمرار. و قد كان نادي روما الذي تم تأسيسه سنة 1968 أول من أشار إلى أن البيئة تواجه مشاكل متعددة بسبب التزايد السكاني و بسبب كثرة الأنشطة الاقتصادية. من حينها بدأ الحديث عن الاحتباس الحراري و مخاطره الكبيرة على الأرض، و بعد قمة الأرض السالفة الذكر بدأ الحديث عن التحول المناخي. و شرعت دول العالم تحت إشراف الأمم المتحدة، في تنظيم مؤتمرات سنوية لمعالجة قضايا البيئة المتعلقة بالمناخ.

حقائق علمية:


قبل التطرق لحيثيات القمة و مخرجاتها، دعونا نلقي نظرة على بعض الحقائق حول التحول المناخي: * يتغير المناخ طوال الوقت عادةً على شكل “موجات” مدتها 15 إلى 20 ألف سنة أو نحو ذلك. مع دورات أصغر بينهما. و لذلك، فإن التغيرات المناخية بطيئة و بطيئة جدًا لدرجة أن الحياة على الأرض يمكن أن تتكيف بشكل طبيعي، دون أن نلاحظ أي شيء تقريبًا خلال عمر الإنسان القصير الذي يبلغ حوالي 80 عامًا. * يقول بعض العلماء إن أكثر من 90% من تغير المناخ سببه الأنشطة الشمسية و التي تأتي أيضًا على شكل دورات. يقول العلماء الحقيقيون إن الأنشطة البشرية: الزراعة، قيادة السيارات، الصناعة حتى العسكرية منها (التي لا تذكر في اجتماعات مؤتمر الأطراف، حيث يُمنع الحديث عن ناتج ثاني أكسيد الكربون العسكري) تنتج أقل من 0.3% من ثاني أكسيد الكربون و هو غير ملاحظ لأن أي زيادات تمتصها البحار. فكل هذه الحقائق تتجاهلها النخبة و تحمل الإنسان مسؤولية التحول المناخي.

يقول بعض العلماء إن أكثر من 90% من تغير المناخ سببه الأنشطة الشمسية و التي تأتي أيضًا على شكل دورات.


لقد شاركت في قمة المناخ 28 ما يقارب 200 دولة. كلها تسعى لتجنب ارتفاع درجة حرارة الأرض فوق 1,5 درجة مئوية. و الدول هذه تتبع طبعا أجندة 21 (أبرز مخرجات قمة الأرض سنة 1992) التي تعتبر الوقود الأحفوري العدو الأول و المتهم الرئيسي في قضية التحول المناخي. لذلك، أقر مؤتمر المناخ 3 كيوطو- اليابان سنة 1997 ضرورة تخفيف غاز ثاني أكسيد الكاربون. كما ألح المؤتمرون في قمة باريس 21 سنة 2015 على “الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. و الحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة”.

و واصلت مؤتمرات الأطراف العمل على مواجهة غازات الاحتباس الحراري. حيث أقر المؤتمرون في قمتي المناخ 26 في غلاسكو-اسكتلندا و 27 في شرم الشيخ-مصر. ضرورة تخفيض ليس فقط ثاني أكسيد الكاربون، بل غاز الميثان أيضا الذي ينبعث من روث الماشية و من تجشئها. كما اقترح المؤتمرون في القمتين أيضا وجوب التوجه نحو اللحوم الاصطناعية و مصادر غذائية بديلة.

مساهمات المؤسسات الدولية


لهذا، تأتي قمة المناخ 28 في سياق تنزيل أجندة 21، و خطة 2030 للتنمية المستدامة التي ترعاها الأمم المتحدة. و تتجلى تلك الرعاية في الخطاب الذي ألقاه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أثناء افتتاح قمة المناخ 28. حيث قال: “لا بد أن يتوقف حرق الوقود الأحفوري فورا. و أن خفض استخدامه لن يكون كافيا لوقف ظاهرة الاحتباس الحراري”. كما أضاف أيضا،”لن نصل إلى حد 1.5 درجة إلا إذا توقفنا في نهاية المطاف عن حرق الوقود الأحفوري. و ليس تقليله و لا خفضه”. كما نزل صندوق النقد الدولي بقوة في قمة المناخ 28. حيث قالت كريستالينا جورجيفا ”نحن هنا لأن المخاطر المناخية تشكل أهمية بالغة بالنسبة للاقتصاد العالمي. لقد ضربت الاقتصادات و المجتمعات و الأسر بشكل كبير، و يمكن أن تسبب عدم الاستقرار المالي. و نحن أيضا هنا لأن التحول إلى الاقتصاد المناخي الجديد يوفر فرصا فريدة للنمو الأخضر و فرص العمل”.

و أضافت في نفس الخطاب. ”نحن في صندوق النقد الدولي، ندعو إلى تسريع عملية إزالة الكربون استنادا إلى الإجراءات المتخذة في وقت مبكر خلال هذا العقد”. و تتضمن تلك الإجراءات حسب جورجيفا ثلاثة عناصر: أولا: تسعير الكربون الذي يعد أداة قوية لأنه يدر الإيرادات و لأنه عادل. كما يوفر حافزا قويا للغاية للتحول إلى الاستثمارات و خيارات الاستهلاك المنخفضة الكربون. ثانيا: إلغاء الإعانات المقدمة للوقود الأحفوري التي تصل لترليونات الدولارات. ثالثا: توجيه إعانات الدعم و الأموال العامة إلى حيث يمكن أن تحدث فرقا حقيقيا: في مجالات مثل البحث و التنمية، أو البنية الأساسية التي تسهل إزالة الكربون بسرعة.

كريستالينا جورجيفا.


كما تعالت أصوات التخلص من الوقود الأحفوري من عدة دول مشاركة في القمة بدعوى أن مجموعة من الدول تتضرر من انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون. لذلك دعت المؤسسات الكبرى المشاركة في القمة إلى تمويل ”صندوق المناخ الأخضر“ الذي ستضع فيه الدول مليارات الدولارات عن طريق دفع ضرائب الكاربون. ”كلما زاد عدد الانبعاثات التي تنتجها الدولة – من خلال الاستهلاك أو الصناعة – كلما دفعت أكثر“ تقول كريستالينا جورجيفا. و يسعى الصندوق ”إلى مساعدة حكومات الدول الفقيرة على الاستعداد للتأثيرات المستقبلية المحتملة لتغير المناخ“. و سيعهد الإشراف إلى البنك الدولي الذي يضع أيضا” هدفا طموحا يتمثل في تخصيص 45% من التمويل الذي يقدمه سنويا للعمل المناخي بحلول عام 2025“.

أهداف أجندة 21


تسعى إذن المؤسسات الكبرى إلى توجيه دول العالم نحو التخلي عن الوقود الأحفوري و التوجه صوب الطاقات المتجددة. تماشيا مع أهداف التنمية المستدامة و التزاما بأجندة الطاقة الخضراء. و كما يدعو المنتدى الاقتصادي العالمي إلى إشراك القطاع الخاص في مشاريعه المستقبلية. فإن صندوق النقد الدولي هو الآخر يدعو القطاع الخاص إلى المشاركة في مكافحة التحول المناخي من أجل تسريع الانتقال الطاقي.

فالأمم المتحدة -و من يدور في فلكها- تريد تغيير العادات الاستهلاكية للشعوب. من خلال الابتعاد عن استعمال الوقود الأحفوري و الامتناع عن أكل اللحوم الطبيعية بدعوى انبعاثات غاز الميثان من روث الحيوانات. فلسان حال الدول المشاركة في القمة 28 للمناخ يقول. ”نحن بحاجة إلى تكييف نظامنا الغذائي و الزراعي ليصبح أكثر قدرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ و فقدان التنوع البيولوجي“. كما تدعو مخرجات قمة المناخ 28 إلى ”مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم إلى ثلاثة أمثالها بحلول عام 2030. و تسريع الجهود الرامية إلى الحد من استخدام الفحم. و تسريع التكنولوجيات مثل احتجاز الكربون و تخزينه التي يمكنها تنظيف الصناعات التي يصعب إزالة الكربون منها“.

أجندة 21: مخرجات قمة الأرض التي انعقدت في ريو دي جانيرو بالبرازيل سنة 1992


كما تسعى الأمم المتحدة إلى ”استخدام أموال دافعي الضرائب لإنشاء و توزيع الدعاية المناهضة للحوم. نشر الأنظمة الغذائية الموصى بها من قبل الحكومة. التحكم في أماكن صيد الأشخاص و ما يُسمح لهم بصيده. استخدام الضرائب لرفع أسعار الأطعمة “المضرة بالبيئة”. و تعليم الأطفال أن أكل اللحوم خطأ“.
بالإضافة لكل هذه الإجراءات، تسعى النخبة إلى تحديد المسافة التي يجب أن تقطعها السيارة ذات الاحتراق الداخلي. بهدف إجبار الناس على اقتناء السيارات الكهربائية و التخلي عن السيارات التقليدية. كما ستقوم الدول برفع الضرائب على قطاع تربية الماشية من أجل تقليص عدد الأبقار و الأغنام. و سيؤدي كل هذا إلى ارتفاع ثمن المحروقات و سترتفع معها أسعار المواد الاستهلاكية. كما سيستمر تزايد أثمنة اللحوم الحمراء. و سيتم ترويج اللحوم الاصطناعية و أكل الحشرات كحل غذائي بديل بحجة عدم إضرار تلك البدائل بالمناخ.

العدو الحقيقي هو الإنسانية نفسها


لهذا، فالأمم المتحدة و معها صندوق النقد الدولي و البنك الدولي بالإضافة إلى المنتدى الاقتصادي العالمي. تدعم إعادة الضبط الكبرى و أجندة 2030. و تسخر قضية التحول المناخي لتحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050. ففي كتابه “الثورة العالمية الأولى” الصادر عام 1991 قال نادي روما: ”في بحثنا عن عدو مشترك يمكننا أن نتحد ضده. توصلنا إلى فكرة أن التلوث و التهديد بالاحتباس الحراري، و نقص المياه، و المجاعة و ما شابه ذلك، من شأنها أن تناسب الفاتورة … كل هذه الأخطار ناجمة عن التدخل البشري في العمليات الطبيعية. و لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال المواقف و السلوكيات المتغيرة. العدو الحقيقي إذن هو الإنسانية نفسها“.


إذن، يبدو لكل عاقل أن ما يتم الاتفاق عليه و ما يتم تقنينه لا يخدم مصالح الشعوب. و لا يحافظ على ثرواتها و لا يصون كرامتها. بل كل المخططات تريد إثقال كاهل الدول بالضرائب و الديون. -خاصة الدول النامية- و تغيير عادات الشعوب و نمط عيشها بما يتماشى مع أهداف فئة قليلة ترغب في توجيه سلوك الشعوب و برمجة افكارها لكي تقبل بما يراد لها. لهذا يتم تسخير الإعلام لترويج الأكاذيب و نشر التخويف بهدف زرع الرعب في قلوب الناس. لجعلهم يصدقون ما يسمعون و يسلمون رقابهم بدون مقاومة.
إن الطريق التي تريدنا النخبة أن نمر منها تقودنا نحو حكم تكنوقراطي شمولي، و ليس لنا إلا الاستيقاظ من غفلتنا و الوعي بما يدور حولنا حتى لا نصبح أكباش فداء.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *