طوفان الأقصى

انطلقت عملية “طوفان الأقصى” يوم سابع أكتوبر سنة 2023 على يد كتائب عز الدين القسام، الذراع المسلح لحركة حماس. و جاءت هذه الهجومات كرد فعل على “الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المَسْجِدِ الأقصى المُبَارك و اعتداء المُستوطنين الإسرائيليين على المُواطنين الفلسطينيين في القُدس و الضّفّة و الدّاخل المُحتَل».(ويكيبيديا)

و لا زالت المواجهات مستمرة إلى الآن، حيث اعتبر الجيش الإسرائيلي ذلك اعتداء على الدولة و الشعب اليهودين، و لم تتوقف الغارات الجوية على ساكنة غزة التي تكابد الفقر التهميش. كما أن الأوضاع تزداد سوءً بفعل انقطاع الماء و الكهرباء، مما يربك عمليات الإنقاذ و يعرض حياة كثير من الجرحى للموت المحتم.

و قد أثارت عملية طوفان الأقصى الكثير من التساؤلات بين المحللين و بين القنوات الإخبارية. فهناك من يقول بأن “حركة حماس” تدافع عن نفسها و ترد على الهجومات المتكررة التي تتعرض لها الأراضي الفلسطينية و يموت بسببها الشعب الفلسطيني الأعزل. لكن في الجانب الآخر من التحليل نجد محللين و متابعين للشأن الفلسطيني الإسرائيلي يقولون أن إسرائيل استفزت حركة حماس لكي تبدأ الحرب و تتمكن إسرائيل من ضمان نفوذ جديد. لأن إسرائيل لها نفوذ وجودي و ليس حدودي، كما سنبين بعد قليل.

الشباب و الأطفال أكبر ضحايا عملية طوفان الأقصى.
الشباب و الأطفال أكبر ضحايا عملية طوفان الأقصى.

صهيونية بن غوريون

عند الرجوع إلى أدبيات الزعماء الذين تعاقبوا على حكم تل أبيب و التنظير لها. نجد بن غوريون الذي عمل على تنزيل مشروع الدولة اليهودية على أرض الواقع، لأنه قد تتلمذ على يد “تيودور هيرتزل”. ف”بن غوريون” و في محاولة منه لربط اليهود بالدول الأوربية، قد اعتبر أن دولة إسرائيل امتداد للحضارة الأوربية. و هذا التنظير هو جوهر الصهيونية البنيوية التي دافع عنها بن غوريون و اعتبرها دستور اليهود،.و هذا ما عبر عنه “موشيه شاريت” (ثاني رئيس وزراء إسرائيلي ما بين 1953 و 1955م) أمام هيئة الأمم المتحدة. “إسرائيل دولة غربية ،إنها امتداد للحضارة الأوربية. إنها الرضيع الذي وضعت جذوره القدرة و الحضارة و التقاليد التي تنتمي إلى أوربا ذات التقاليد الواضحة في منطقة الشرق الأوسط. إسرائيل تدافع عن هذه الحضارة و تحمل علم هذه الحضارة، إنها واحة الديمقراطية في واحة التخلف”. (حامد ربيع، مصر و الحرب القادمة، ص 30).

صهيونية جابوتينسكي

و ما دامت الأفكار و المخططات تتغير بتغير الزعماء. فقد جاء جابوتينسكي و ألغى الصهيونية البنيوية و عوضها بصهيونية أخطر و أقوى. حيث فند رأي سابقه بن غوريون بنفي علاقة إسرائيل بالحضارة الأوربية. و أكد على أن إسرائيل تنتمي للحضارة المشرقية أو الشرق أوسطية إن صح التعبير، و ليست جسما غريبا عن المنطقة العربية. و لنشر هذه الفكرة و تعزيزها في ذهن اليهود و غيرهم. زار مناحيم بيجين ( تولى منصب رئيس وزراء إسرائيل ما بين 1977-1983) القاهرة ذات يوم و وقف أمام أهرام الجيزة و قال “هؤلاء أجدادنا بناة الأهرام”.

هذه العبارة تدل على أن الفلسفة السياسية اليهودية ترى بأن إسرائيل ليست امتدادا للحضارة الغربية في المنطقة العربية. بل هي دولة شرق أوسطية كما أن ” الشعور بالانتماء الحضاري ظل يسيطر على المجتمع اليهودي في جميع مراحل تاريخه”. ( حامد ربيع، مصر و الحرب القادمة ص 31). و هذا يعني أن إسرائيل لن تكتفي بالتواجد في المنطقة العربية بل تسعى لقيادتها و التحكم فيها.

فجابوتينسكي الذي عارض الصهيونية البنيوية. بنى صهيونيته على عقيدة الشعب اليهودي التي ترى أن لبني إسرائيل الحق في وطن قومي في فلسطين. و أن عقيدة اليهود قد تأسست بأرض الأنبياء، لذلك روج بشكل كبير للصهيونية العقائدية بين الشعب اليهودي. و عمل على تكوين خلف يرسخ تلك الأفكار في لاوعي الشعب اليهودي.

نتنياهو، التلميذ النجيب

لذلك، يعتبر نتنياهو من أنجب تلاميذ جابوتينسكي الذي يسعى جاهدا لجعل أرض إسرائيل لليهود فقط. فهو لا يتوقف عن ادعاء أن بني إسرئيل قد انطلقوا من أرض فلسطين. فقد وقف ذات يوم أمام جمهور غفير يوم 17 يناير سنة 2012 و ألقى خطابا تضمن عدة نقط منها:. “كلكم من هنا ( يقصد القدس) هذه بلاد أجدادكم… يعقوب، إسحاق، إبراهيم، سارة، راحيل… كلهم عاشوا هنا، كلنا انطلقنا من هنا و عدنا إلى هنا، هذا موطن أجدادنا و موطن أجدادكم… زوروا حائط المبكى، لامسوا حق أجدادكم، هنا وطنكم. هنا كوَّن الشعب اليهودي هويته، هنا عشنا لآلاف السنين إلى أن تم إبعادنا، لكن عدنا و كونا دولة قوية”.

حائط المبكى الذي يتبرك به اليهود

تصريحات استباقية

فزعماء إسرائيل لا يفكرون في الرحيل عن منطقة فلسطين. بل يسعون لنشر نفوذهم في ربوع البلاد و إجلاء أهاليها و معمريها نحو الدول المجاورة. و هنا أضع بين يدي القارئ تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين:

  • ” لا وجود للفلسطينيين، و ليست المسألة وجود شعب في فلسطين يعتبر نفسه الشعب الفلسطيني، و ليست المسألة أتينا و طردناهم و أخذنا أرضهم، لا، إنهم لم يوجدوا أصلا” . جولدا مائير. رئيسة وزراء إسرائيل الرابعة.
  • ” ليس في بلادنا مكان إلا لليهود و سنقول للعرب: ارحلوا، فإن لم يرضوا بذلك و عمدوا إلى المقاومة، فسنرحلهم بالقوة”. بنزيون دينور، أول وزير تعليم في حكومة بن غوريون.
  •  ” من الواضح أنه لا مكان في هذه البلاد لشعبين، و الحل الوحيد هو إسرائيل اليهودية، التي تضم على الأقل إسرائيل الغربية، (غربي نهر الأردن) بلا عرب، و لا مخرج إلا بنقل العرب إلى مكان آخر في الدول المجاورة”. جوزيف فانتز، مدير إدارة الاستيطان بالوكالة اليهودية.

بعد كل هذه التصريحات و المخططات، هل يمكن أن تكون إسرائيل بريئة من عملية “طوفان الأقصى”؟

إن الذي يتتبع خيط القضية و يحللها في شموليتها، يستخلص أن إسرائيل دائما تلعب دور الضحية لأنها فقط تدافع عن نفسها حسب منطق الصهاينة، لكن الملاحظ في هذه المرة أن الهجوم من طرف حركة حماس كان شرسا و مباغتا، و العملية هذه تبين إما أن حماس مخترقة من طرف الموساد الإسرائيلي، أو أوعز لها للقيام بتلك الهجومات لكي تمنح الشرعية لإسرائيل في تنفيذ مخططها.

التوسع المستمر

و الأمر الغريب في قضية حماس، أنها صنفت كمنظمة إرهابية منذ سنة 2007، لكن لا زالت قائمة و زعماؤها على قيد الحياة، فإن كانوا ضد إسرائيل قلبا و قالبا، ألا يشكل ذلك تهديدا لأمن إسرائيل؟ و لماذا تسمح تل أبيب باستمرار منظمة إرهابية، مع العلم أن العالم كله يدين الإرهاب !!!. كما أن الحركة قد حوصرت حصارا شديدا، و رغم ذلك كانت الأسلحة تظهر إبان الاشتباكات، فمن يمد حماس بالأسلحة؟ الكل يعرف أن إيران تفعل ذلك و تحت أنظار أمريكا و إسرائيل. و الكل يعلم أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لن يتوقف، لأنه صراع عقائدي وجودي و لن ينتهي حتى ينهي أحدهما الآخر.

فوجود إسرائيل مرتبط باستمرار التوسع، لأن المنطق الإمبريالي يقول أن أي قوة لا تتقدم تتقهقر، لذلك إسرائيل لن تتوقف عن التوسع حتى تحقق النبوءة التوراتية من النيل إلى الفرات، لأن التطورات العالمية تنبئ بتغيرات كبيرة في توازن القوى، و إسرائيل تريد صناعة مجد في المستقبل سيقوم على ثمار الثورة الصناعية الرابعة من خلال تنزيل الرقمنة و تمكين الذكاء الاصطناعي في جميع مناحي الحياة، لهذا تريد تفريغ غزة من سكانها لكي تدشن مدنا ذكية تستقطب باقي اليهود من جميع دول العالم.

تهجير السكان من أراضيهم، أشرس أنواع التطهير العرقي.

فعملية طوفان الأقصى حصيلة مخططات و سياسات طويلة الأمد، انطلقت منذ زمن بعيد و لا زالت مستمرة إلى الآن، و يمكن أن تكون بداية شرارة الحرب العالمية الثالثة، حيث إن المرجعيات الصهيونية تقول أن هذه الحرب ستنشب بين الدولة الصهيونية و قادة العالم الإسلامي، و قد رأينا في وسائل التواصل الاجتماعي مجموعات ملثمة تدعوا للجهاد مثلما كانت تفعل داعش في سوريا. فهذا السلوك يقحم الإسلام و يجعل المسلمين إرهابيين في نظر العالم. لكن هذا لا يعني الاستسلام للحربية الصهيونية، فالشعب الفلسطيني الأعزل يقاوم بكل ما أوتي من قوة، و يدافع عن دينه و وطنه و من حقه العيش في بلاده و بلاد أجداده.




اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *