اليوان… عملة احتياطية عالمية.

 بـنـاء الـنـظـام الـنـقـدي و الـمـالـي الـدولـي الـجديـد

روسيا هي ثالث أكبر دولة منتجة للنفط بعد الولايات المتحدة و المملكة العربية السعودية و ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي بعد الولايات المتحدة. و لكن نظرًا لأن استهلاك الطاقة المحلي في الولايات المتحدة يتجاوز بكثير استهلاك روسيا. فهي ثاني أكبر مصدر للنفط، بعد المملكة العربية السعودية، و المصدّر الرئيسي للغاز الطبيعي في العالم. كما تمتلك روسيا أيضًا أكبر احتياطيات الغاز على وجه الأرض.

في عام 2018، بدأت بورصة شنغهاي الدولية للطاقة تتداول العقود الآجلة للنفط المقومة باليوان الصيني (CNY). كل ما كان مطلوبًا، من أجل ربط اليوان بالنفط لكي يصبح بترويوان كاملا، هو أن يقبله مصدرو النفط الخام على نطاق واسع كدفعة. تدفع الصين لروسيا و إيران مقابل النفط باستخدام اليوان منذ عام 2012. لكن العقوبات هذا العام نقلت مصداقية البترويوان إلى مستوى جديد تمامًا.

لم يقم الاتحاد الروسي فقط بزيادة صادراته النفطية إلى الصين بشكل كبير، ليصبح المورد الرئيسي للنفط، و لكنه يقبل الدفع بالرنمينبي (RMB). اليوان الصيني هو مبدأ حساب الرنمينبي RMB. و على الصعيد العالمي، كنتيجة مباشرة للعقوبات التي فرضها الغرب، أصبح البترويوان الآن حقيقة عملية.

فنزويلا، أيضًا، وافقت بالفعل على قبول البترويوان. إذا قبلت المملكة العربية السعودية البترويوان، كما يبدو مرجحًا بشكل متزايد، فسيكون اليوان قد قفز أيضًا إلى الأمام كعملة احتياطية عالمية مهيمنة محتملة.

اليوان، من المحتمل أن يصبح عملة احتياطية عالمية.
اليوان… من المحتمل أن يصبح عملة احتياطية عالمية.

التزام دولي

ربما تكون مجرد مصادفة أن كلا من الجائحة الكاذبة و الحرب في أوكرانيا، قد أسفرتا عن التزام الدول القومية في جميع أنحاء العالم بسياسات تسهل بدقة الانتقال إلى النظام العالمي المتعدد الأقطاب. إن كل من هذين الحدثين المتغيرين للعالم يصادف «إعادة تعديل الخلفية» تمامًا كما تريده طبقة الطفيليات العالمية. أمر غريب بالتأكيد، إن لم يكن غير قابل للتصديق فعلا.

و مع ذلك، مع تحرك مركز القوة شرقًا، ربما يفي النظام العالمي الجديد في النهاية بالوعد الذي ادعى البعض – و هو أن روسيا و الصين تقفان حقًا في وجه إعادة الضبط الكبرى الخبيثة. هل يمكن أن يكون صحيحا ؟ نحن نعيش في أمل.

على الرغم من حقيقة أن الشراكة الغربية بين القطاعين العام و الخاص قد لعبت دورًا محوريًا، و يبدو أنه مقصود في هذا التحول القطبي، فربما تكون الحكومتان الروسية و الصينية مصممتان على إنشاء نظام عالمي أفضل لنا جميعًا، كما يقترح بعض المعلقين:

” [يولد واقع جيوسياسي أكبر سيكون له فائدة أكبر بكثير…للبشرية بشكل عام إذا لم يتم تخريبها. [. . .] مستقبل جديد جميل محتمل، مدفوع بإعادة إيقاظ روح طريق الحرير، يتم رسمه أمام أعيننا”.

عندما نختتم هذه السلسلة، قد نكتشف فقط أن الرؤية العجيبة لـ «مستقبل جديد جميل» بقيادة الصين وروسيا هي احتمال واقعي.

أو ربما لا.

 الـجزء الـثـالـث

في الجزء 1، توقفنا مع القوى التي تشكل النظام العالمي و محاولات فرض عليه نماذج مختلفة للحكم العالمي. في الجزء 2، ناقشنا التقدم المحرز في تحول القوة العالمية من الغرب إلى الشرق و تساءلنا لماذا لم يقبل الكثير من أنصار ما يسمى بـ «النظام العالمي أحادي القطب» حتمية هذا التحول في القوة فحسب، بل ساعدوه على ما يبدو.

ظاهريًا، تعد النسخة المتعددة الأقطاب للنظام العالمي خروجًا عن النموذج أحادي القطب. بمعنى أنه – من المفترض – سيحترم القانون الدولي بصدق و يتقاسم السلطة بين تحالف أوسع من الدول القومية. و نتيجة لذلك، ستدخل – من المفترض – تعددية الأطراف العاملة في الحكامة العالمية، و يمكن القول إنها لأول مرة. بالنسبة للبعض، يبدو هذا النموذج متعدد الأقطاب أفضل من النموذج الأحادي القطب الحالي القائم على القواعد الدولية.

و مع ذلك، عندما ننظر إلى بيانات قادة النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب. يبدو أن أهدافهم لا يمكن تمييزها عن أهداف نظرائهم في النظام الأحادي القطب.

لسبب واحد، يعبرون عن التزام ثابت بالتنمية المستدامة و جدول أعمال 2030.

من ناحية أخرى، فإنهم يدعمون بقاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المركز السياسي للحكم العالمي – على الرغم من أن فقدان حق النقض، على وجه الخصوص، غير متفق عليه.

بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يؤيدون بإخلاص الثورة الصناعية الرابعة (4IR) التي يقودها المنتدى الاقتصادي العالمي بالذكاء الاصطناعي.

كما يعتبرون الرقابة و مراقبة المعلومات ضروريين لمحاربة «الوباء» و حماية العالم من «المعلومات المضللة».

الثورة الصناعية الرابعة ستعمل على تعزيز أجندة الأتمتة و الذكاء الاصطناعي.
مفتاح التحول المفترض

إن مبادراتهم العالمية – و الشراكات بين القطاعين العام و الخاص التي ستنفذها – متطابقة عمليًا مع مبادرات نظرائهم في النظام الأحادي القطب. على الرغم من أنها تقدم اختلافًا مهمًا، سنناقشه في الجزء 4.

أخيرًا، بالنسبة لمؤيدي تعدد الأقطاب، فإن «النظام المالي» العالمي الجديد هو، كما هو الحال دائمًا، مفتاح «التحول» المفترض.

حتى الآن، لم يؤيد الأوليغارشيون العالميون، الذين هم أكبر المستفيدين من النموذج الأحادي القطب، التحول القطبي من الغرب إلى الشرق فحسب، بل لعبوا أيضًا دورًا في تسهيله. و الواقع أنهم هيؤوا الظروف النقدية و المالية و الاقتصادية و بالتالي الجغرافيا السياسية التي يبدو أنها تضمن ذلك.

لقد علمنا في الجزأين 1 و 2 أن النظام العالمي أحادي القطب أنشأ نظاما للحكامة العالمية يقوم على الشراكة العالمية بين القطاعين العام و الخاص. و أن هذا يمكّن الأوليغارشيين من تصميم جداول أعمال للسياسات في جميع أنحاء العالم، و غير مقيدين بالحدود الوطنية.

إذا كان النظام العالمي متعدد الأقطاب شيئًا جديدًا، فمن المؤكد أن هذا المسار نحو الحكامة العالمية المركزية يجب أن يتغير، أليس كذلك؟. و لكن حين يبدو أن النموذج متعدد الأقطاب يُسرّع الانتقال إلى القوة المركزية. فعلينا أن نتساءل عما إذا كان هناك أي شيء جديد و مختلف عنه على الإطلاق.

تأليف “إيان دافيس”، ترجمة منير علام.

يتبع…

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *