المثلية.. حصان طروادة الجديد

عاش العالم فترة عصيبة خلال الستينيات و السبعينيات، حيث كان كل من يتبنى الفكر الشيوعي يسمى متطرفا و خارجا عن المألوف، و العديد من الأشخاص قُتّلوا و هُجّروا لمجرد أنهم اختاروا منحى فكريا مغايرا للتفكير الليبرالي الذي كانت تنشره و تدعمه أمريكا، و يمكن القول بأن الإرهاب آنذاك كان شيوعيا ، لكن لم يدم ذلك طويلا حتى برز الخطر الأخضر أو ” الإرهاب” الذي ارتبط بالإسلام، و صارت ألفاظ الإسلام الرجعي و الإسلام المتطرف لا تغيب عن ساحة الإعلام و السينما، و لا غرابة في أن الولايات المتحدة الأمريكية و مؤسساتها قد لعبت دورا أساسيا في تكوين تلك الجماعات و تمويلها و تدريبها.

لكن التطورات التي تحدث تُحَتّم إيجاد البدائل من أجل الإلهاء و تمرير المخططات.

و ما صار يطفو على السطح من أحداث غريبة تُحدث الريبة في القلوب و الحيرة في العقول، إذ إن الانحلال الأخلاقي يتمدد كالنار في الهشيم، و المعايير في المجتمع تتغير بسرعة كبيرة، حتى أننا أحيانا يخيل إلينا كأننا نعيش في ” الديستوبيا” حيث الرذيلة تصير شيئا عاديا، و يصبح الإنسان عبدا لشهواته.

ألدوس هكسلي و سبقه التاريخي:

و تلك نقطة قد وصفها بشكل مستفيض الروائي الإنجليزي ” ألدوس هكسلي” في روايته ” عالم جديد شجاع“، و قال على لسان إحدى شخصيات الرواية، ” أرى أنه يجب عليك الحذر، فذلك منحى سيئ جدا أن تستمري في مواعدة رجل واحد، ربما لا يكون الأمر بذلك السوء في الأربعين أو الخامسة و الثلاثين… لا، هذا غير مقبول، و إنك لتعلمين كيف يعترض مدير المركز على أي تعمق في العلاقات أو استمرارها على المدى الطويل”.

فهذه امرأة تحذر زميلتها من أمر علاقة عاطفية جدية و طويلة الأمد، لأن ذلك معاكس لقيم مجتمع الديستوبيا.

ألدوس هكسلي (1894-1963)

و هذه العادات و السلوكات النمطية تبدأ مع الإنسان منذ الصغر، و يصفها هكسلي بما يلي” هي ليست كقطرات الماء، رغم أن قطرات الماء المتتابعة يمكنها أن تثقب أكثر الأحجار صلابة، و لكنها كقطرات ختم الشمع، فهي قطرات تلحم و تغلف بطبقة صلبة و تدمج نفسها بما تقع عليه، حتى تصير الصخرة في النهاية كتلة حمراء لزجة. حتى يصبح عقل الطفل في النهاية مكونا من هذه الإيعازات، و تصبح محصلة هذه الإيعازات هي عقل الطفل، ليس عقل الطفل فقط، ولكن عقله كبالغ أيضا طوال عمره، هذا العقل الذي يحكم و يرغب مصنوع من هذه الإيعازات، وهذه الإيعازات هي صنيعتنا… صنيعة الدولة”

فهي إذن برمجيات تُوجَّه للأطفال منذ الصغر قصد ترك بصمتها في شخصيتهم، خاصة و أن دماغ الإنسان الآن صار مع التقنية يستقبل أكثر ما يرسل، يستقبل أفكارا قد أُعدت بشكل دقيق يناسب إدراك الطفل و تتغير مع الظروف. 

المثلية الجنسية و خطورتها

و من ضمن الأفكار التي صارت تُزرع زرعا و تستهدف النشء ، تتجلى في قضية المثلية الجنسية، حيث ألوان قوس قزح منتشرة في جل المواقع و البرامج التي تستهدف الأطفال، حتى أن شركة ” نتفلكس” تشترط على أي فيلم تدعمه، ضرورة احتوائه مشاهد من المثلية الجنسية.

فالمثلية أو الشذوذ الجنسي ستصبح القضية التي توجه الأحداث و تربك حياة المجتمعات، و إذا كان الإرهاب شيوعيا في البداية و إسلاميا في ما بعد، فسيصبح الآن قوسقزحيا إن صح التعبير، و ستصاغ قوانين تحميه، و ستصبح معارضة هذا الأمر تخلفا و رجعية، و تعنتا و تعصبا، إذ كيف يتم الاعتراض على حرية الأفراد؟

و تلك حجة ستجلب الويلات على كل رافض للصيحات الجديدة، و ذلك يبدو من خلال بعض الفيديوهات التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تبين كيف يتم طرد الآباء الرافضين لبرامج تحتوي على قضية الشذوذ الجنسي.

و هؤلاء الرافضون للصيحة الجديدة سينعتون بالتخلف و الهمجية، و ذلك ما وقع للرجل الذي صار يستنكر الرذيلة في المجتمع في الرواية السالفة الذكر، حيث نُعت من طرف أفراد مجتمع الديستوبيا بالبدائي أو المتوحش نظرا لأنه قال “هل تستطيبون الحرية؟ “… ” ألا تودون أن تكونوا أحرارا كالرجال؟ ألا تفهمون حتى ماذا تعني الرجولة و الحرية؟”.

و الأمر الذي يدعو إليه هذا البدائي حسب الرواية يقتضي العفة، لكن حسب الرواية نفسها ف”العفة تعني وجود العاطفة، تعني الإنهاك العصبي، و العاطفة و الإنهاك العصبي يعنيان عدم الاستقرار، و عدم الاستقرار يعني نهاية الحضارة، فأنت لا تحصل على حضارة ممتدة دون وجود العديد من الرذائل الممتعة”.

تلك إذن هي خطة معسكر التكنوقراط الذين يبرمجون العقول من الآن لكي ترفض الطبيعة و تُطَبِّع مع الرذيلة، حتى تغرق في بحر بدون شاطئ.

لكن بالمعرفة المسبقة و المراقبة المسؤولة يمكن تخفيف ضرر ركلة الحصان.

حصان طروادة: الوسيلة التي احتل بها الإغريق مدينة طروادة.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *