الأوراسية            Eurasianism

في جهودها لتصوير فلاديمير بوتين كشرير في كتاب هزلي، حاولت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية (MSM) ربطه شخصيًا بالفيلسوف السياسي و الاستراتيجي الروسي المثير للجدل، “ألكسندر دوغين“. لقد وصفوا دوغين ب “راسبوتين” بوتين أو «عقل» بوتين، وزعموا أن بوتين يعتبر دوجين حليفًا و ثيقًا و فيلسوفه المفضل.

ومع ذلك، لم يكن هناك أي أساس لهذه القصص. ففي حديثه في 2018، قال دوغين “لا أشغل منصبًا رسميًا داخل جهاز الدولة. ليس لدي خط مباشر مع بوتين، و لم أقابله قط. “

في عام 2022، دفعت مزاعم وسائل الإعلام الغربية الرسمية “آلان دي بينويست”، متعاون دوجين السياسي و الفلسفي و صديقه لأكثر من 30 عامًا، إلى ملاحظة:

” «عقل» بوتين! حقيقة أن دوغين و بوتين لم يلتقيا و لو لمرة واحدة وجهاً لوجه. وهو مقياس جيد لجدية أولئك الذين يستخدمون هذا التعبير. [. . .] لا شك أن دوغين يعرف الوفد المرافق لبوتين جيدًا، لكنه لم يكن أبدًا أحد المقربين منه أو أحد «مستشاريه الخاصين». [. . .] الكتاب الذي كتبه قبل بضع سنوات عن بوتين بعيد كل البعد عن كونه تمرينًا على الإعجاب: دوغين على العكس من ذلك، يشرح ما يوافق عليه في بوتين و ما يكرهه”.

على الرغم من أن دوغين ليس لديه علاقة خاصة مع الكرملين، إلا أن هذا لا يعني أن أفكاره ليست مؤثرة هناك. لقد عمل كمستشار لرئيس مجلس الدوما، سيرغي ناريشكين، ثم، جينادي سيليزنيوف. لذلك من المؤكد أن لديه صلات سياسية، و تسمعه الطبقة السياسية الروسية.

دوغين رائد الأوراسية

ربما يكون دوغين هو الصوت الحديث الرائد في الأوراسية Eurasianism. في مقابلة عام 2014، أوضح تفسيره لكل من الأوراسية Eurasianism و مكانتها في تعدد الأقطاب، بهذه الطريقة:

” تستند النزعة الأوربية الآسيوية إلى الرؤية المتعددة الأقطاب، و على رفض الرؤية أحادية القطب لاستمرار الهيمنة الأمريكية. إن قطب هذه التعددية القطبية ليس الدولة الوطنية أو الكتلة الأيديولوجية، بل هو الفضاء الكبير (غروسروم) الموحد استراتيجيًا داخل حدود الحضارة المشتركة. المساحة الكبيرة النموذجية [المساحات] [هي] أوروبا، و الولايات المتحدة الأمريكية الموحدة، و كندا و المكسيك، أو أمريكا اللاتينية الموحدة، و الصين الكبرى، و الهند الكبرى، و في حالتنا أوراسيا. [.] و تعترف الرؤية المتعددة الأقطاب بالتكامل على أساس حضارة مشتركة. [. . .] تتمحور سياسة بوتين الخارجية حول تعدد الأقطاب و التكامل الأوراسي الضروري لخلق قطب قوي حقًا”.

يلعب دوغين دورا كبيرا في تحقيق رغبة بوتين في إعادة الأوراسية eurasianism إلى الحياة من جديد.
ألكسندر دوغين

لا الأوليغارشيين و لا الطبقة السياسية العالمية، مخدوعون بما فيه الكفاية في الاعتقاد بأنهم يستطيعون ببساطة الإشادة بفلسفة سياسية أو أخرى، أو أيديولوجية ثقافية أو أخرى، و بالتالي السيطرة على سلوك البشرية و معتقداتها. ستكون هناك دائما حاجة إلى بعض الغش المكيافيلي.

كثيرًا ما تبنى بوتين الأفكار الأوراسية Eurasianism. على العكس من ذلك، فإن دوغين من بين أولئك الذين انتقدوا بوتين لافتقاره إلى أيديولوجية واضحة:

” يجب عليه ترجمة حدسه الفردي إلى عقيدة تهدف إلى تأمين النظام المستقبلي. ليس لديه أيديولوجية معلنة، و هذا أصبح أكثر و أكثر إشكالية. يشعر كل روسي أن نهج بوتين الفردي المفرط يشكل مخاطرة كبيرة”.

الاتحاد الأوربي الآسيوي

في عام 2011، أعلن بوتين عن خطته لإنشاء الاتحاد الأوروبي الآسيوي، مما أسعد دوغين و غيره من الأوراسيين مثل مالوفييف و جلازييف. نشر بوتين مقالاً مصاحباً له:

” نقترح رابطة قوية فوق وطنية قادرة على أن تصبح واحدة من الأقطاب في العالم الحديث، و تعمل كجسر فعال بين أوربا و منطقة آسيا و المحيط الهادئ الديناميكية. [. . . .] و من الواضح اليوم أن الأزمة العالمية لعام 2008 كانت ذات طابع هيكلي . و ما زلنا نشهد أصداء حادة للأزمة التي كانت متجذرة في الاختلالات العالمية المتراكمة. [. . .] وبالتالي، فإن مشروعنا التكاملي ينتقل إلى مستوى جديد نوعيا، مما يفتح آفاقا واسعة للتنمية الاقتصادية و يخلق مزايا تنافسية إضافية. وسيساعدنا هذا التوحيد للجهود على ترسيخ أقدامنا داخل الاقتصاد العالمي و النظام التجاري، و الاضطلاع بدور حقيقي في صنع القرار و وضع القواعد و تشكيل المستقبل”.

وأشار بوتين إلى أزمة عالمية، أدت إلى الحاجة المزعومة إلى هيئة فوق وطنية، يمكنها أن تعمل كقطب لصنع القرار في نظام عالمي قائم على توازن القوى. ما قاله يتبع نمطا. كل أولئك الذين يمجدون الحكم العالمي استخدموا نفس الخدعة الخطابية.

يتم تكرار هذا النمط حاليًا مرة أخرى. بغض النظر عن أي معتقدات أخرى قد يعتنقها، فإن التزام بوتين بإعادة ضبط النظام السياسي العالمي واضح.

دور بوتين في أجندة الأوراسية

تجعل الأوراسية Eurasianism الاتحاد الروسي “شريكا” داخل اتحاد أوسع. في الوقت الحالي، لا يوجد الاتحاد الأوراسي إلا بالمعنى الاقتصادي، و روسيا مهيمنة بشكل ساحق داخله. و بالمثل، فإن موقف روسيا الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يمنح روسيا هيمنة نسبية داخل الأمم المتحدة.

فلاديمير بوتين

و مع ذلك، حين تأمل الحكومة الروسية في الاستفادة من مثل هذه الاتحادات و المجالس، من خلال تشكيل “أقطاب” في نظام متعدد الأقطاب و وضع سياسات متأثرة بأفكار مثل الأوراسية Eurasianism. تكون قد خففت و أعلنت عن خطة للتنازل في نهاية المطاف عن “السيادة الوطنية” الروسية للاتحاد – لصالح القطب. إن سعي بوتين وراء الأوراسية Eurasianism و التعددية القطبية، لا يشير بالضرورة إلى أي شيء آخر غير البراغماتية. كما أنه لا يمثل دفاعا عن الدولة القومية الروسية.

لا يسعنا إلا أن نخمن، لكن من غير المرجح أن يكون تفضيل بوتين لأوراسيا و تعدد الأقطاب متجذرًا في أي أيديولوجية معينة. بدلاً من ذلك، فإنه يخدم غرضًا، حيث يوفر لحكومته و شركائها حصة أكبر في «اللعبة».

تأليف إيان دافيس/ ترجمة منير علام.

يتبع…

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *