الدولة اليهودية

أشرف تيودور هيرتزل على مؤتمر الصهيونية الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية سنة 1897، و تمحور حول حق الشعب اليهودي في وطن قومي ينقذ اليهود من الشتات في العالم، و تم اختيار فلسطين لاحتضان اليهود من مشارق الأرض و مغاربها. و لأجل ذلك، وضع هيرتزل خطته التأسيسية في كتابه” الدولة اليهودية” الذي أكد فيه على ضرورة تشكيل منظمات و جمعيات تعمل على اقتناء الأراضي الاستيطانية و تيسر نقل اليهود إلى فلسطين. و استمر العمل طيلة خمسة عقود حتى تم إعلان قيام ” إسرائيل” سنة 1948م.

تيودور هيرتزل صاحب كتاب الدولة اليهودية.
تيودور هيرتزل

الصهيونية البنيوية :


و بعد أن تحققت رغبة هيرتزل على أرض الواقع، واصل تلميذه النجيب” دافيد بن غوريون” العمل على ترسيخ سلطة إسرائيل و تعزيز وجود اليهود في فلسطين. و ما دام أنه من اليهود الشرقيين الحاملين للروح الأوربية. فقد قال بأن إسرائيل تمثل امتدادا للحضارة الأوربية، و ذلك يمثل جوهر “الصهيونية البنيوية” في إسرائيل. و هذا ما عبر عنه “موشيه شاريت” (ثاني رئيس وزراء إسرائيلي ما بين 1953 و 1955م) أمام هيئة الأمم المتحدة. “إسرائيل دولة غربية ،إنها امتداد للحضارة الأوربية. إنها الرضيع الذي وضعت جذوره القدرة و الحضارة و التقاليد التي تنتمي إلى أوربا ذات التقاليد الواضحة في منطقة الشرق الأوسط. إسرائيل تدافع عن هذه الحضارة و تحمل علم هذه الحضارة، إنها واحة الديمقراطية في واحة التخلف”¹ .
لأجل هذا كانت بريطانيا و العديد من الدول الأوربية الأخرى إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية تدافع عن حق إسرائيل في الوجود، و تضع مصالحها فوق كل اعتبار ، و تجعل منها الدولة النموذج في الشرق الأوسط، و كانت تلقي بوابل من التحقير على العرب الرافضين للوجود اليهودي، و تَسِمهم بالتخلف و الرجعية.
و الصهيونية البنيوية لم تركز على الإنتماء الحضاري لليهود فقط، بل أعطت للدين مكانة كبيرة لأن “الدين اليهودي بتعاليمه هو المحور الحقيقي للحركة الصهيونية، ومن العبث الحديث عن العلمانية في الدولة العبرية”².
و طالما أن إسرائيل تعلم أنها جسم غريب عن المنطقة، “فإنها لن تتخلى عن السلوك العدواني الذي يعني الحرب المستمرة”³.

مصادر العدوانية الإسرائيلية:


و العدوانية جوهر السياسة الإسرائيلية، و قد أكد حامد ربيع على هذا السلوك العدواني و قال بأنه خلاصة ثلاثة نماذج سلوكية:
” الأول ذو مصدر تاريخي: اليهودي عبر التاريخ كان يتميز بالازدواجية والتلون و الجبن، و عبادة المال و الإباحية المطلقة.
الثاني ذو مصدر أمريكي : أي المجتمع الأمريكي الذي عاش فيه اليهودي و تطبع به. والأمريكي الذي عايشه اليهودي هو حفيد الأوربي الذي أباد الهنود الحمر اعتمادا على مبدأ العنف و البقاء للأصلح.
الثالث ذو مصدر نازي: في ألمانيا النازية نبتت القيادات اليهودية و من رحم النازية ظهرت الصهيونية.
و قد علق حامد ربيع على هذه المصادر الثلاثة قائلا بأنها ذات صفة واحدة هي “العدوانية والأصول الاجرامية”.
و اتضحت هذه العدوانية في الحروب التي شنتها إسرائيل على الدول المجاورة لها: لبنان، سوريا، مصر… فالوجود القائم على الحرب يؤمن أصحابه أن استمرارهم قائم على الرعب.
لذلك، ما “الصهيونية إلا التقاء بين التعاليم اليهودية و التقاليد الغربية و التعصب العنصري، الذي هو وليد التراث الأوربي القديم. و بصفة خاصة الممارسات الرومانية و المفاهيم التيوتونية، هذه الروافد هي وحدها التي شكلت المنطق اليهودي المعاصر باسم الصهيونية السياسية”⁴.
كما أن التفكير الاستراتيجي يعتبر أساس قوة إسرائيل، ذلك أن الاستراتيجية تعني فن التعامل مع المشاكل. و هذا الفن يقتضي التفكير و التصور و التأمل المسبق. كما أن “دقة الفكر الاستراتيجي وقدرته على تخطي مشاكله، أحد عناصر القوة في الجانب الإسرائيلي “⁵ .

و التفكير الاستراتيجي هذا قرر تغيير فلسفة الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط، فإذا كان بن غوريون يقول بأن إسرائيل امتداد للحضارة الأوربية الغربية، فإن جابوتينسكي زعيم التيار التصحيحي أكد أن إسرائيل لا تستمد قوتها من الحضارة الغربية، بل هي جزء لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط كما أكد أيضا على أن التاريخ يشهد على صحة هذه الفكرة.

الصهيونية العقائدية :


يعتبر جابوتينسكي من اليهود الشرقيين أيضا، ازداد في روسيا سنة 1880 و لعب دورا مهما في تعزيز الفكر الصهيوني اليهودي، لكن خالف توجه الصهيونية البنيوية و قاد تيار الصهيونية العقائدية الذي يقول بأن إسرائيل ليست جسما غريبا عن المنطقة العربية بل لها امتداد في التاريخ، و اعتبر أن أهداف الصهيونية تتماهى مع أسس الدين اليهودي و أنهما يشكلان حقيقة واحدة.
و الأفكار هذه لا تبقى حبيسة الكتب و المجلدات، بل يعبر عنها الزعماء في إسرائيل و يترجمونها على أرض الواقع، حيث إن مناحيم بيجين ( تولى منصب رئيس وزراء إسرائيل ما بين 1977-1983) عندما زار القاهرة ذات يوم وقف أمام أهرام الجيزة و قال”هؤلاء أجدادنا بناة الأهرام”، هذه العبارة تدل على أن الفلسفة السياسية اليهودية ترى بأن إسرائيل ليست امتدادا للحضارة الغربية في المنطقة العربية، بل هي دولة شرق أوسطية كما أن ” الشعور بالانتماء الحضاري ظل يسيطر على المجتمع اليهودي في جميع مراحل تاريخه”⁶ ، و هذا يعني أن إسرائيل لن تكتفي بالتواجد في المنطقة العربية بل تسعى لقيادتها و التحكم فيها.

أرض الميعاد من نهر النيل إلى الفرات.


و بنيامين نتنياهو يعتبر من بين أبرز تلاميذ جابوتينسكي الذي تولى منصب رئيس وزراء إسرائيل منذ سنة 2009 و وقف ذات يوم أمام جمهور غفير يوم 17 يناير سنة 2012 و ألقى خطابا تضمن عدة نقط منها: “كلكم من هنا ( يقصد القدس) هذه بلاد أجدادكم… يعقوب، إسحاق، إبراهيم، سارة، راحيل، كلهم عاشوا هنا، كلنا انطلقنا من هنا و عدنا إلى هنا، هذا موطن أجدادنا و موطن أجدادكم… زوروا حائط المبكى، لامسوا حق أجدادكم، هنا وطنكم، هنا كوَّن الشعب اليهودي هويته، هنا عشنا لآلاف السنين إلى أن تم إبعادنا، لكن عدنا و كونا دولة قوية”.

تصريحات مستفزة:


فهذا خطاب يحمل في طياته فلسفة جابوتينسكي و التي يحاول نتانياهو ترسيخها في لاوعي بني إسرائيل. و حائط المبكى يحمل رمزية قوية في الديانة اليهودية التي تعتبر أساس الصهيونية العقائدية. لذلك، لا أحد يتهجم على الدين اليهودي و لا يتحدث الإعلام العالمي عن أي عدوانية دينية اتجاه الشعب الفلسطيني. بل يتم اتهام المدافعين عن أنفسهم بالإرهاربيين و القتلة.
و ما دام نتانياهو يتحدث عن الانتماء الحضاري و الثقافي لليهود للمنطقة العربية، فلن تتوقف سياسة التوسع و الاستيطان حتى تستوعب فلسطين كلها، و حتى تفرغها من سكانها الأصليين،و قد ترك المسؤولون في إسرائيل عدة أقوال ترسخ هذه القاعدة، و من بين تلك التصريحات :

  • ” لا وجود للفلسطينيين، و ليست المسألة وجود شعب في فلسطين يعتبر نفسه الشعب الفلسطيني. و ليست المسألة أتينا و طردناهم و أخذنا أرضهم، لا، إنهم لم يوجدوا أصلا” . جولدا مائير. رئيسة وزراء إسرائيل الرابعة.
  • ” ليس في بلادنا مكان إلا لليهود و سنقول للعرب: ارحلوا، فإن لم يرضوا بذلك و عمدوا إلى المقاومة، فسنرحلهم بالقوة”. بنزيون دينور، أول وزير تعليم في حكومة بن غوريون.
  • ” من الواضح أنه لا مكان في هذه البلاد لشعبين. و الحل الوحيد هو إسرائيل اليهودية، التي تضم على الأقل إسرائيل الغربية، (غربي نهر الأردن) بلا عرب. و لا مخرج إلا بنقل العرب إلى مكان آخر في الدول المجاورة”. جوزيف فانتز، مدير إدارة الاستيطان بالوكالة اليهودية.

لائحة المراجع:
¹: مصر و الحرب القادمة، حامد ربيع، نحو وعي سياسي و استراتيجي و تاريخي، دار الوفاء، ص: 30.
²: مصر و الحرب القادمة ، مرجع سابق، ص: 31.
³: مرجع سابق، ص: 91.
⁴:لرجولة السلوكية في تقاليدنا التاريخية، سوف أظل عربيا، حامد ربيع،نحو وعي سياسي و استراتيجي و تاريخي، دار الوفاء، ص: 182.
⁵: مصر و الحرب القادمة، حامد ربيع،مرجع سابق، ص: 98.
⁶: .مصر و الحرب القادمة، مرجع سابق، ص: 36.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *