شعار الوحدة العالمية (2/2)

تعرفنا في الجزء الأول من المقال على خمسة قرارات التزمت بها دول مجموعة العشرين، و نواصل في الجزء الثاني التعرف على باقي القرارات مع الوقوف على مدى نجاعتها و نفعها لجميع شعوب العالم.

خامسا: التحول التكنولوجي والبنية التحتية العامة الرقمية.

  • بناء البنية التحتية العامة الرقمية:. البنية التحتية العامة الرقمية الشاملة و الآمنة و الموثوقة و الخاضعة للمساءلة التي تحترم حقوق الإنسان و البيانات الشخصية و الخصوصية و حقوق الملكية الفكرية التي يمكن أن تعزز المرونة و تمكن من تقديم الخدمات و الابتكار. و الأخذ في الاعتبار اقتراح الرئاسة الهندية ” تحالف المستقبل الواحد”.
  • بناء السلامة والأمن و المرونة و الثقة في الاقتصاد الرقمي: الاقتصاد الرقمي الآمن و العادل تتزايد أهميته في جميع البلدان.
  • الأصول المشفرة: السياسة و التنظيم:. مراقبة مخاطر التطورات السريعة عن كثب في نظام التشفير، و معالجة مخاطر غسل الأموال و تمويل الإرهاب.
  • العملة الرقمية للبنك المركزي:. إدخال و اعتماد العملات الرقمية للبنك المركزي (CBDCs). و لا سيما على المدفوعات عبر الحدود و كذلك المدفوعات على النظام النقدي و المالي الدولي.
  • تعزيز الشبكة الرقمية:.  تعزيز الاستخدام المسؤول و المستدام و الشامل للتكنولوجيا الرقمية من طرف المزارعين و الشركات الناشئة في التكنولوجيا الزراعية. و إنشاء المبادرة العالمية للصحة الرقمية، و الاستفادة من التكنولوجيات الرقمية لحماية و تعزيز الثقافة و التراث الثقافي.
  • تسخير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول من أجل الخير و من أجل الجميع:. الاستفادة من الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام من خلال حل التحديات بطريقة مسؤولة و شاملة و متمحورة حول الإنسان. مع حماية حقوق الناس و سلامتهم.
البنية التحتية الرقمية أساس الاقتصاد الرقمي
البنية التحتية الرقمية أساس الاقتصاد الرقمي

سادسا: الضرائب الدولية

  • تجديد الالتزام بمواصلة التعاون على الصعيد العالمي من أجل نظام ضريبي دولي عادل و مستدام و حديث يتناسب مع احتياجات القرن الحادي و العشرين، و الالتزام أيضا بالتنفيذ السريع لمجموعة التدابير الضريبية الدولية من أجل مواجهة التحديات الضريبية، و تنبني الضرائب الدولية على ركيزتين اثنتين: تقوم الركيزة الأولى على إعادة تخصيص الحقوق الضريبية إلى السلطات القضائية في السوق، و التي يُتوقع إلى حد كبير أن تكون دولًا نامية، و تقوم الركيزة الثانية بوضع حد أدنى عالمي للضريبة.

سابعا: المساواة بين الجنسين و تمكين جميع النساء و الفتيات

  • تعزيز التمكين الاقتصادي و الاجتماعي: تشجيع التنمية التي تقودها المرأة و تعزيز المشاركة الفعالة و الهادفة للمرأة في صناعة القرار قصد الإسهام في جميع مجالات المجتمع و على كل مستويات الاقتصاد، و الالتزام بتحقيق هدف بريسبان المتمثل في تضييق فجوة المشاركة بين القوى العاملة، و تنفيذ خارطة طريق مجموعة العشرين الرامية إلى تجاوز النسبة التي حددها مؤتمر بريسبان 25 % سنة 2025 ، و دعم زيادة التحاق جميع النساء و الفتيات بالمدارس و مشاركتهن فيها و قيادتهن لها، و  تمكين المرأة من الوصول الشامل إلى فرص العمل.
  • سد الفجوة الرقمية بين الجنسين: تمكين جميع النساء و الفتيات من المشاركة بنشاط في صياغة و تنفيذ الاستراتيجيات الرقمية الوطنية، دعم المبادرات التي تحسن من سبل عيش المرأة و ترفع من دخلها، و الترحيب بالمبادرات الرامية إلى دعم تمكين المرأة في الاقتصاد الرقمي.
  • قيادة العمل المناخي الشامل للجنسين: زيادة مشاركة المرأة و شراكتها و دعمها في صناعة القرار و قيادة التخفيف من آثار تغير المناخ و التكيف معه، و استراتيجيات الحد من أخطار الكوارث و أطر السياسات المتعلقة بالقضايا البيئية.
  • تأمين الأمن الغذائي للمرأة و تغذيتها و رفاهها: اعتبار الأمن الغذائي للمرأة و تغذيتها حجر الزاوية في التنمية الفردية و المجتمعية لأنه يضع الأساس لصحة المرأة، و كذلك لصحة أطفالها و أسرتها و رفاه المجتمع بشكل عام، و دعم الأطعمة الميسورة التكلفة و الآمنة و المغذية و الأنظمة الغذائية الصحية في برامج الوجبات المدرسية.
  • إنشاء فريق عمل معني بتمكين المرأة: إنشاء فريق عامل جديد معني بتمكين المرأة الذي سيعقد اجتماعه الأول خلال الرئاسة البرازيلية لمجموعة العشرين السنة المقبلة.
تمكين المرأة تمهيد لسيطرتها على سوق الشغل
التعليق على مخرجات القمة

كانت هذه مجمل مخرجات قمة الهند التي اتخذت شعار “أرض واحدة، أمة واحدة، مستقبل واحد”، و هو شعار يؤكد السير على خطى الوحدة العالمية تمهيدا للحكومة العالمية الواحدة، التي تسعى الدولة العميقة لتنزيلها على أرض الواقع في أفق 2030 تحت شعارات مزيفة من قبيل “أجندة 21″ و أجندة التنمية المستدامة”.

و القمة السالفة الذكر لم تستثن هذه الأجندة بل دعت إليها بقوة، و توصي جميع دول العالم بالالتزام بعدة قرارات تبدو جيدة و نافعة و صانعة لمستقبل أفضل، لكن في آخر المقال سنرى هل هي نافعة فعلا أم فقط دعايات مزيفة.

إصلاح اقتصادي

لقد ركزت قمة الهند على “بناء مستقبل أفضل” و جعلت من هذا البناء محور القمة 18 لدول مجموعة العشرين، حيث أوصت بنمو اقتصادي جيد و مستدام و متوازن يستطيع تجاوز مخلفات أزمتي كورونا و حرب أوكرانيا، و هذا يحمل في طياته الرغبة في السيطرة على الاقتصاد العالمي بما يخدم مصالح النخبة. و إذ تتابع النخبة تبعات هذه الأزمات، فإنها قلقة بشأن الأوضاع الاجتماعية لشعوب العالم التي تكابد الجوع و العطش، لذلك فقد تعهدت الدول الكبرى بتوفير الأمن الغذائي و القضاء على الجوع، لكن هذه القرارات نرى نقيضها على أرض الواقع حيث المجاعة مستمرة و الأمن الغذائي ينزلق نحو الفوضى الغذائية.

إصلاح اجتماعي

كما اعتبرت قرارات القمة الحفاظ على صحة الشعوب من أولوياتها الأساسية من خلال وضع مقاربة الصحة الواحدة بهدف تعزيز الصحة العالمية. لذلك قامت بتنزيل خارطة طريق 2022-2026 من أجل تحسين الخدمات الصحية و جعلها أفضل مما كانت عليه ما قبل الوباء-كورونا. لكن في الواقع نرى الأزمات الصحية تتزايد و الموت الفجائي في ارتفاع مستمر. و الحروب البيولوجية باتت العدو الجديد الذي يتربص بصحة الإنسان. كما تعهدت مخرجات القمة بتوفير تعليم عالي الجودة قائم على توظيف التقنيات الجديدة منها الذكاء الاصطناعي، و جعل التعليم يركز على الجانب التقني المهاري، لأن المدرسة صارت مرتبطة بشكل وثيق بقوى السوق خاصة، و تعتبر الجودة من أهم ركائزها، و لهذا تم وضع خارطة طريق 2022-2026 تهم تنزيل قرارت أجندة التنمية المستدامة سنة 2030. لكن نلاحظ في العالم تراجع مكتسبات رجال التعليم و الإجهاز على حقوقهم من خلال رفع سن التقاعد و زيادة المهام دون أي تعويض.

كما أن قرارت القمة لم تفوت الحديث عن الثقافة باعتبارها من روافد التنمية المستدامة، و نادت بحمايتها و الحفاظ عليها، كما اعتبرتها هدفا مستقبليا لما بعد 2030، لأن الاقتصاد القادم سيقوم على المعرفة و الثقافة. لذلك، ثقافة الشعوب سيطالها تغيير كبير بما فيها الثقافة الدينية، لأن المستقبل الواحد لا يقبل الاختلاف.

كما تمت الدعوة لإحداث البنية التحتية الرقمية بهدف تحقيق التحول التكنولوجي الذي سيحترم خصوصيات الإنسان و يحافظ على حياته الشخصية. كما تم الالتزام بتعزيز الشبكة الرقمية في كافة الأنشطة الاقتصادية. و هذا سيؤدي في حقيقة الأمر إلى تجريد الإنسان من هويته الشخصية، من خلال الاطلاع على خصوصياته و التدخل في حياته، و في تعريضه للبطالة عن طريق رقمنة الأنشطة الاقتصادية: الفلاحة و الصناعة و التجارة ثم الخدمات. حيث ستطالها يد الذكاء الاصطناعي و سيصبح العامل عرضة للتشرد. كما أن البنية التحتية الرقمية ستعمل على شرعنة العملة الرقمية على مستوى التحويلات المالية الدولية. ثم على المستوى المحلي. مما يدل على أن النقد في طريقه للزوال، و ستزول معه أنشطة بشرية مختلفة كانت تؤمن حياة كريمة لشريحة عريضة من السكان.

الانتقال الطاقي

كما عرجت القمة أيضا على التحول المناخي و اعتبرته تهديدا كبيرا للحياة على سطح الأرض. لأنه يهدد بارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض. و لتفادي الكارثة دعت مقررات القمة إلى تنزيل مشاريع التنمية الخضراء. و الانتقال الطاقي نحو طاقات بديلة صديقة للبيئة و داعمة للتنمية المستدامة. بهدف تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة سنة 2030 و الوصول للصافي الصفري سنة 2050. و هذا يؤشر على ارتفاع أسعار مصادر الطاقة خاصة أسعار البنزين التي ستجبر السائقين على التخلي عن السيارات القديمة و التوجه نحو السيارات الكهربائية. و هذا بدوره ينبئ بتحول جذري على المستوى الصناعي و الذي ستكون له عواقب وخيمة على عدة مناحي الحياة. فقضية التحول المناخي حصان طروادة آخر يتم توظيفه لفرض أجندات الحكومة العالمية.

و الغريب في هذه القرارات أنها تستثني الرجل من حساباتها و تصب كل اهتمامها على المرأة. من خلال الدعوة إلى الالتزام بتمكين المرأة اقتصاديا و اجتماعيا. و دعم مشاركتها في تدبير المؤسسات سواء الصناعية أو الخدماتية أو التعليمية. و هذا بدوره يوحي بقلب معايير المجتمع و تغيير عاداته و سلوكاته. فتمكين المرأة إضعاف للرجل، و لن تستطيع المرأة الحفاظ على المجتمع لأن مهمة الحماية من اختصاص الرجل. و لتمكين المرأة بشكل يخدم مصالح النخبة يتم تغيير مدونة الأسرة في العالم العربي بالخصوص. حتى يتسنى للمرأة قتل الرجل بالطريقة التي تريدها النخبة.

قوة القطاع الخاص

كما تم التركيز بشكل كبير على قوة القطاع الخاص و دوره في قيادة التغيرات التي تريدها مجموعة دول العشرين. لهذا تعد الشركات المتعددة الجنسيات و الأبناك الكبرى أكبر حليف لدول المجموعة، و على رأسها شركة بلاكروك و فانغارد اللتان تهيمنان على أوصول الكوكب و على اقتصاده. و Zbigniew Brzezinski أحد السباقين إلى إدراك أن قوة القطاع الخاص قد تجاوزت بالفعل قوة الحكومات. و رأى أن اندماج الدولة السياسية و الشركات هو السبيل المنطقي للمضي قدمًا في عالم ناشئ، تهيمن عليه التكنولوجيا الرقمية. إذ قال في كتابه” بين عصرين: دور أمريكا في العصر التكنيتروني” ( الرقمي). ” لم تعد الدولة القومية كوحدة أساسية في حياة الإنسان المنظمة هي القوة الإبداعية الرئيسية:. فالبنوك الدولية و الشركات متعددة الجنسيات، تعمل و تخطط بعبارات تسبق بكثير المفاهيم السياسية للدولة القومية”.

و ستحتضن البرازيل القمة 19 لمجموعة 20 يومي 18 و 19 نونبر سنة 2024. و ستواصل قرارات القمم السابقة مع التركيز على ثلاث مخرجات أساسية:

  • الإدماج الاجتماعي و مكافحة المجاعة.
  • انتقال الطاقة و التنمية المستدامة بجوانبها الاجتماعية و الاقتصادية و البيئية.
  • إصلاح مؤسسات الحكامة العالمية.

هكذا إذن. أصبح القاسم المشترك بين كل القمم و المؤتمرات ينصب حول الرقمنة و الطاقة الخضراء التي تمس الاقتصاد و المجتمع. فمن قمة دول العشرين، إلى قمم الأعمال مرورا بقمم مجموعة البريكس. تتم الدعوة لوحدة عالمية و اصطفاف وراء قيادة واحدة تمهيدا لحكومة عالمية واحدة. و طبعا بشعارات ملغومة ظاهرها حسن و باطنها يحمل جميع أنواع الشرور.  فالشعوب لا تصوغ تلك الشعارات و لا تحدد معانيها، بل تحددها النخبة وفق مصالحها، و يتجرع الإنسان طعم الهزيمة.

 فقط وجبت الإشارة إلى أن في ختام جدول أعمال القمة 18 لمجموعة دول العشرين تم ضم الاتحاد الإفريقي لدول مجموعة 20. و بذلك من الممكن أن تصبح مجموعة دول 21.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *