شعار الوحدة العالمية (1/2)

احتضنت الهند يومي 09 و 10 من شتنبر سنة 2023 فعاليات القمة 18 لمجموعة دول العشرين. تحت شعار “أرض واحدة، أمة واحدة، مستقبل واحد“. و يبدو أن هذه العناصر الثلاثة، الأرض و الأمة و المستقبل تمثل “شعار الوحدة العالمية” التي ما فتئت النخب الحاكمة تنادي به من أجل حكومة عالمية واحدة.

و تأتي هذه القمة في سياق إعداد و تنفيذ أجندة 2030 التي ترعاها الأمم المتحدة و يترجمها المنتدى الاقتصادي العالمي على أرض الواقع. كما أن في حديث المشرفين على تلك القمة، نجدهم يقولون. “نجتمع في لحظة حاسمة في التاريخ حيث القرارات التي نتخذها الآن ستحدد مستقبل شعبنا و كوكبنا. إنه فلسفة للعيش في وئام مع نظامنا البيئي المحيط الذي نلتزم به عبر إجراءات ملموسة للتصدي للتحديات العالمية”. و لكي يطمئنوا العالم يضيفون، ” معا لدينا فرصة لبناء مستقبل أفضل. فقط انتقالات الطاقة يمكن أن تحسن فرص العمل و سبل العيش، و تعزز المرونة الاقتصادية. كما نؤكد أنه لا ينبغي لأي بلد أن يختار بين مكافحة الفقر و القتال من أجل كوكبنا. و سنتبع نماذج إنمائية تنفذ نماذج مستدامة من أجل تحولات شاملة و عادلة على مستوى العالم”.

و يؤكدون أن من الأهداف الأساسية لهذه القمة الازدهار و السلام الذي ينعكس إيجابا على الشعوب و كوكب الأرض. لأن العالم منذ جائحة كورونا و من بعدها حرب أوكرانيا يعيش أزمات متتالية تمس الأمن الطاقي و الغذائي، سلاسل التوريد، و التضخم. و قد أسفرت أشغال القمة عن سبعة التزامات كبرى:

أولا: نمو قوي و مستدام و متوازن و شامل.  

  • الحالة الاقتصادية العالمية: يتميز الاقتصاد الحالي بضعف النمو. لذلك سيتم العمل على ” تفعيل سياسات نقدية و مالية و هيكلية مدروسة جيدا لتعزيز النمو و الحد من أوجه عدم المساواة و الحفاظ على الاقتصاد الكلي و الاستقرار المالي. و تعزيز التعاون في مجال السياسات الكلية و دعم التقدم نحو خطة التنمية المستدامة لعام 2030.”.
  • تحرير التجارة من أجل النمو: ضمان تكافؤ الفرص و المنافسة العادلة من خلال تخفيض الحمائية و الممارسات المشوهة للسوق. بهدف تعزيز تهيئة بيئة تجارية و استثمارية مواتية للجميع. و يضيف بيان القمة، ” نرحب بالمبادئ الرفيعة المستوى بشأن رقمنة الوثائق التجارية و بذل الجهود لتشجيع التنفيذ. و تشجيع البلدان الأخرى على النظر في هذه المبادئ”.
  • التحضير لمستقبل العمل: تعزيز العمل اللائق و كفالة سياسات الحماية الاجتماعية الشاملة للجميع. و تطوير تصنيف مرجعي دولي للمهن حسب متطلبات المهارة و التأهيل. بالإضافة إلى تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة الممولة تمويلا مستداما. و النظر في إمكانية نقل مزايا الضمان الاجتماعي من خلال الاتفاقيات الثنائية و المتعددة الأطراف.
  • تعزيز الشمول المالي: تعزيز الشمولية المالية من خلال التأكيد على دور البنية التحتية الرقمية العامة في النمو الشامل و التنمية المستدامة. و تشجيع التطوير المستمر و الاستخدام المسؤول للابتكارات التكنولوجية.
  • مكافحة الفساد: تعزيز التعاون الدولي و تبادل المعلومات في مجال تنفيذ القانون بهدف مكافحة الفساد. و تعزيز آليات استرجاع الأصول من أجل مكافحة الفساد. و تعزيز نزاهة و فعالية الهيئات و السلطات العامة المسؤولة عن منع الفساد و محاربته.
النمو المتواصل سبيل الاقتصاد القوي و المستدام

ثانيا: تسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

  • تجديد الالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة: الاعتراف بدور التحول الرقمي و الذكاء الاصطناعي و تقدم البيانات و معالجة الفجوات الرقمية. و تسليط الضوء على الدور الحاسم للسياحة و الثقافة كوسيلة لتحقيق التنمية الاجتماعية و الاقتصادية المستدامة و الازدهار الاقتصادي.
  • القضاء على الجوع و سوء التغذية: تعزيز الأمن الغذائي العالمي و التغذية بالموازاة مع مبادئ ديكان الرفيعة المستوى لمجموعة العشرين. التي تخص الأمن الغذائي و التغذية عن طريق توفير الحبوب القادرة على التكيف مع تغير المناخ. ثم دعم جهود الدول النامية قصد التصدي لتحديات الأمن الغذائي التي تواجهها.
  • الآثار الاقتصادية الكلية لانعدام الأمن الغذائي و الطاقي: إحداث الصندوق الدولي للتنمية الزراعية.
  • تعزيز الصحة العالمية و تنزيل نهج الصحة الواحدة.: بناء نظم صحية أكثر مرونة و إنصافا و استدامة و شمولية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة. و تحسين الخدمات الصحية الأساسية و جعلها أفضل مما كانت عليه قبل الوباء. و تحسين خدمات الصحة العقلية و النفسية من خلال تنزيل برنامج عمل 2022-2026.
  • التعاون بين الشؤون المالية و الصحية:. خلق شراكات بين المؤسسات المالية الكبرى؛ البنك الدولي و صندوق النقد الدولي، و منظمة الصحة العالمية.
  • تقديم تعليم عالي الجودة: الالتزام بالتعليم الشامل و العادل و العالي الجودة و الاستثمار في تنمية الرأسمال البشري. من خلال التأكيد على أهمية التعليم الأساسي باعتباره الركيزة الأساس في التربية و الشغل. و تقديم الدعم للمؤسسات التعليمية و المدرسين من أجل مواكبة التطور التقني خاصة الذكاء الاصطناعي. و تعليم و تدريب تقنيين و مهنيين رفيعي المستوى.
  • الثقافة كمحرك تحويلي لأهداف التنمية المستدامة: حماية القيمة الجوهرية للثقافة باعتبارها عامل يمكن من تحقيق أهداف التنمية المستدامة. و إدراجها (الثقافة) كهدف مستقل في أجندة التنمية لما بعد 2030.
التنمية المستدامة أساس شعار الوحدة العالمية.
التنمية المستدامة أساس كل أجندة الحكامة العالمية.

ثالثا: ميثاق التنمية الخضراء من أجل مستقبل مستدام.

  • مخاطر الاقتصاد الكلي الناجمة عن تغير المناخ و مسارات الانتقال:. اعتماد سياسة مالية و نقدية تعمل على تخفيف آثار تغير المناخ.
  • تعميم أنماط الحياة من أجل التنمية المستدامة:. تشجيع الشعوب على اتباع أنماط الإنتاج و الاستهلاك المستدامة، تخفيض انبعاثات الكربون من أجل الوصول للصافي الصفري net zero. و إطلاق خدمة “سفر من أجل الحياة” و دعم تطوير وجهات ذكية مسؤولة و مستدامة.
  • تصميم عالم اقتصاد دائري: تقليل التدهور البيئي و تعزيز الإنتاج و الاستهلاك المستدامين.
  • تنفيذ تحولات طاقية نظيفة و مستدامة و عادلة بأسعار معقولة و شاملة:. تسريع التطور التكنولوجي و اعتماد سياسات الانتقال إلى نظم طاقية أقل تكلفة و منخفضة الانبعاثات.
  • تنفيذ تمويل مناخي مستدام: التأكيد على أهمية القطاعين العام و الخاص في الوصول للحياد الكربوني و صافي الصفر. و مساعدة الدول النامية على تنزيل اتفاق باريس و تجديد الصندوق الأخضر المناخ خلال الفترة-2024 2027. و التأكيد على حاجة الدول النامية لمبلغ 4 تريليون دولار سنويا يخصص لتكنولوجيا الطاقة النظيفة سنة 2030. و صفر كاربون سنة 2050.
  • الحفاظ على النظم الإيكولوجية و حمايتها و استعمالها و استعادتها بشكل مستدام:. التصدي لتغير المناخ و فقدان التنوع البيولوجي و التصحر و الجفاف و تدهور الأراضي و التلوث و انعدام الأمن الغذائي و ندرة المياه. و تقليل تدهور الأراضي بنسبة 50٪ سنة 2040، و حماية الغابة و منع اجتثاثها.
  • الحفاظ على اقتصاد المحيطات: حماية التنوع الحيوي بالمحيطات و إنهاء الصيد غير المشروع و غير المنظم.
  • إنهاء تلوث البلاستيك: تشريع قوانين صارمة للتصدي لتلوث البلاستيك.
  • تمويل مدن الغد: تعبئة الموارد المالية و الاستخدام الفعال للموارد الموجودة في جعل مدن الغد شاملة و مرنة و مستدامة.
  • الحد من مخاطر الكوارث و بناء بنية تحتية مرنة:. تعزيز القدرات الوطنية و المحلية و أدوات التمويل المبتكرة و استثمارات القطاع الخاص و تبادل المعارف.
التنمية الخضراء جوهر الانتقال الطاقي
رابعا: المؤسسات المتعددة الأطراف للقرن الحادي والعشرين
  • إعادة تنشيط تعددية الأطراف:. مواجهة التحديات العالمية المعاصرة للقرن الحادي والعشرين، و جعل الحكامة العالمية أكثر تمثيلا و فعالية و شفافية. و تحقيق تعددية أطراف و إصلاح أكثر شمولا بهدف تنفيذ خطة عام 2030.
  • إصلاح المؤسسات المالية الدولية: استفادة المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف من رأس المال الخاص من خلال نماذج تمويل مبتكرة و شراكات جديدة لزيادة تأثيرها الإنمائي إلى أقصى حد. و تعزيز قدرة البنك الدولي على دعم البلدان المنخفضة و المتوسطة الدخل التي تحتاج إلى المساعدة في التصدي للتحديات العالمية.
  • إدارة مواطن الضعف في الديون العالمية: الترحيب بالجهود المشتركة التي يبذلها جميع أصحاب المصلحة، بمن فيهم الدائنون من القطاع الخاص، لمواصلة العمل من أجل تعزيز شفافية الديون.

هذه إذن أربعة قرارات كبرى وضعتها قمة الهند التي تترجم “شعار الوحدة العالمية” على أرض الواقع، و في الجزء الثاني من المقال سنتعرف على القرارات الثلاثة المتبقية، مع إدراج تعليق على تلك المخرجات و الوقوف على مدى نجاعتها بالنسبة للإنسان.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *