الهيكلة الإقليمية

لتوضيح هذه النقطة بشكل أكبر: يقترح شواب و ماليريت أن «التحديات العالمية» التي حدداها ستواصل اتجاه «الهيكلة الإقليمية». يقولون إنه بدلاً من الهيمنة الأحادية القطب التي تقودها الولايات المتحدة، سيتم تقسيم العالم بشكل متزايد إلى مناطق قارية شبه مستقلة:

” النتيجة الأكثر ترجيحًا على طول العولمة – لا وجود لسلسلة العولمة المتصلة كحل وسط: الهيكلة الإقليمية. إن نجاح الاتحاد الأوربي كمنطقة للتجارة الحرة أو الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة الجديدة في آسيا (اتفاقية التجارة الحرة المقترحة بين الدول العشر التي تتكون منها رابطة دول جنوب شرق آسيا)، هي حالات توضيحية مهمة لكيفية تحول الهيكلة الإقليمية إلى نسخة جديدة مخففة للعولمة. [. . .] باختصار، فإن تراجع العولمة على شكل هيكلة إقليمية أكبر، يحدث بالفعل. سيعمل COVID-19 على تسريع هذا الاختلاف العالمي، حيث تركز أمريكا الشمالية و أوروبا و آسيا بشكل متزايد على الاكتفاء الذاتي الإقليمي، بدلاً من التركيز على سلاسل التوريد العالمية البعيدة و المعقدة، التي كانت تجسد في السابق جوهر العولمة”. – [The Great Reset (TGR), p.79]

عالم القوى الثلاث

يحمل هذا العالم «الإقليمي» تشابهًا غريبًا مع النموذج الذي كشفه البروفيسور كارول كويجلي. في مقابلته عام 1974 مع الصحفي رودي ماكسا من جريدة “واشنطن بوست”، تحدث كويجلي عن «عالم القوى الثلاث». لقد قام بالفعل بفهرسة دقيقة لأنشطة شبكة أنجلو أمريكية، التي قطع أعضاؤها خطوات كبيرة نحو بناء نظام حكم عالمي يأملون في السيطرة عليه:

” كانوا يعملون على توحيد العالم الناطق باللغة الإنجليزية [. . . . ]. كانوا مرتبطين ارتباطا وثيقا بالمصرفيين الدوليين. [. . .] [كانوا يعملون على إنشاء عالم، ما أسميه عالما من ثلاث قوى. و كان هذا العالم المكون من ثلاث قوى هي: الكتلة الأطلسية (إنجلترا و الكومنولث و الولايات المتحدة) ، ألمانيا (ألمانيا هتلر) ، روسيا السوفيتية. [. . .] [كل هذا موصوف في كتابي، و كانت هذه فكرتهم. لاحظ الآن، إنه نظام توازن القوى”.

إن فكرة الكتل القوية التي كانت أحيانًا معادية لبعضها البعض، و التي لعب كل منها دوره في الحفاظ على نظام عالمي خاضع للسيطرة المركزية للعلاقات الدولية المدارة، تبدو مشابهة جدًا للنموذج الذي حدده مشروع الدراسات الخاصة لصندوق الإخوة روكفلر Rockefeller Brothers.

لتوضيح أكثر دقة: انطلاقا من دور آل روكفلر المحوري في إنشاء الأمم المتحدة، فقد اكتشفوا سنة 1955 مواهب هنري كيسنجر عندما كان مديرا للدراسات في مجلس العلاقات الخارجية (CFR)، و هو مركز أبحاث للسياسة الخارجية في الولايات المتحدة. و في العام التالي، كلفوه بالإشراف على مشروع مدته خمس سنوات من شأنه أن “يحدد المشاكل و الفرص الرئيسية التي تواجه الولايات المتحدة و يوضح الأغراض و الأهداف الوطنية، و وضع مبادئ يمكن أن تكون بمثابة أساس للسياسة الوطنية المستقبلية”. قاد كيسنجر هذا المشروع و ظل مبعوث روكفلر منذ ذلك الحين.

تقارير روكفيلر

تم نشر المجموعة اللاحقة من «تقارير فريق روكفلر» في مجلة “أفق أمريكا” – “Prospect for America ” (PfA)” – سنة 1961. في تلك التقارير، أشار أعضاء اللجنة الذين اختارهم روكفلر، إلى أن الإمبريالية في القرن التاسع عشر كانت وسيلة للحفاظ على النظام العالمي، لكن الحربين العالميتين رفعتا بشكل ملائم من قدرة الحكومة على السيطرة عليه، و من هنا جاءت الضرورة المزعومة للأمم المتحدة. حدد آل روكفلر و رجلهم كيسنجر ما سيطلق عليه المنتدى الاقتصادي العالمي لاحقًا «عجز النظام العالمي»:

” تم تدمير نظام واحد لتنظيم النظام الدولي دون استبداله بآخر”. – [Prospect for America, p. 164]

و كانت المشكلة هي أن الأمم المتحدة لم تكن تعمل كما أراد روكفلر أو شركاؤهم. و مما يثير الانزعاج، أن ممثلي الحكومات الوطنية الذين ينتمون إلى تلك الهيئة الدولية، ظلوا يصرون على أفكارهم الخاصة.

يعني هذا أن “آمال آل روكفلر الكبيرة” في “التعبير المؤسسي” عن الحكامة العالمية الحقيقية قد تعثرت. أين يكمن اللوم؟ هنا:

” لم تتحقق الآمال الكبيرة بشكل كامل، لأن المؤسسات الرسمية للمنظمات العالمية كانت مصممة لتحقيق أكبر، مما كان إجماع التطلعات المشتركة القائمة، على استعداد لدعمها”. – [Prospect for America, p. 164]

ما نتج عن هذا الافتقار إلى الإجماع هو أن الدول القومية التي كانت مرتاحة في سعيها وراء الأساطير الوستفالية، كانت تتصرف من أجل مصلحتها الذاتية السيادية. و كانت تشكل اتفاقيات تجارية ثنائية و معاهدات دفاعية. و هكذا كانوا إلى حد ما يقاومون الحكامة العالمية المطلقة من قبل شركائهم في القطاع الخاص. كان حل آل روكفلر لعناد الدول القومية هو بلقنة الكوكب إلى أجزاء أو كتل أو “أقطاب” يمكن التحكم فيها. و من شأن ذلك أن يتيح للحكامة العالمية، تحت رعاية آل روكفلر و شركائهم، الازدهار:

” النتيجة المأمولة هي السلام في عالم مقسم إلى وحدات أصغر، لكنه منظم و يعمل بجهد مشترك. للسماح بالتقدم و دعمه في الحياة الاقتصادية و السياسية و الثقافية و الروحية . [. . .] من المفترض أن تتكون من مؤسسات إقليمية تحت هيئة دولية ذات سلطة متنامية – مجتمعة. حتى تكون قادرة على التعامل مع تلك المشاكل، التي لن تتمكن الدول المنفصلة بشكل متزايد من حلها بمفردها”. [Prospect for America, p. 26]

مركز روكفلر حيث تتفعل سياسات الهيكلة الإقليمية.
مركز روكفلر

حدود النمو

و في وقت لاحق، قام مركز أبحاث سياسي عالمي يموله روكفلر. يعرف باسم “نادي روما”، بالتوصل إلى بعض نماذج الكمبيوتر التنبئية الهزلية في منشوره الصادر عام 1972 بعنوان “حدود النمو”. ثم بعد ما يقرب من عشرين عاما، و خلال سنة 1991. نشر نادي روما المزيد من التكهنات الهزلية في ثورته العالمية الأولى (FGR). و استنادا إلى نماذجه الحاسوبية السخيفة. اختلق بعض التنبؤات بشأن الكوارث الطبيعية، التي لم يحدث أي منها على النحو المنصوص عليه، لأسباب واضحة.

نادي روما،

و مع ذلك، على الرغم من كون هذا هراء. فإن الثورة العالمية الأولى قد حددت بالفعل “المشاكل” المزعومة التي لا يمكن للدول القومية أن “تحلها بمفردها”. اليوم، العالم كله يقبل كل هذا كما لو كان واقعيًا. نحن نتبع بشكل جماعي أجندة عالمية تستند إلى تأملات محسوبة وغير مثبتة لنادي النخبة الممول من روكفلر:

” في البحث عن عدو مشترك يمكننا أن نتحد ضده. توصلنا إلى فكرة أن التلوث و خطر الاحتباس الحراري و نقص المياه و المجاعة و ما شابه ذلك، هو المطلوب. و تشكل هذه الظواهر في مجملها و في حركيتها تهديدا مشتركا يجب أن يواجهه الجميع. لكن في تصنيف هذه المخاطر على أنها عدو، نقع في الفخ، الذي حذرنا القراء منه بالفعل. أي الخلط بين الأعراض و الأسباب. كل هذه الأخطار ناتجة عن التدخل البشري في العمليات الطبيعية و لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال تغيير المواقف و السلوك. العدو الحقيقي إذن هو الإنسانية نفسها”.  First Global Revolution (FGR), p. 75]]

بالنسبة للأوليغارشيين الذين يتلاعبون بالاقتصاد العالمي و الأحداث العالمية، فإن البشر هم المشكلة الحقيقية. تُستخدم تحذيرات الأوليغارشيين من الكوارث المناخية لإضفاء الشرعية على آلياتهم لإدارتنا نحن، و ليس البيئة. وفقا لمنطقهم المشوه، يجب التحكم في السلوك البشري و إعادة ترتيب المعتقدات البشرية. و تتماشى أفكارهم جميعها إلى حد كبير مع الدجل المثير للشفقة لعلم تحسين النسل الذي يبدو أن العديد من الأوليغارشيين. مثل بيل غيتس، يقبلون به.

يتبع…

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *