الأوليغارشية العالمية

من السهل أن نصدق، كما يفعل البعض، أن الأوليغارشيين الغربيين معرضون لخطر فقدان قاعدة سلطتهم. العديد من الناس الذين يحملون مثل هذه الآراء يؤكدون أيضا أن النظام العالمي الحالي يهيمن عليه هؤلاء الأوليغارشيون أنفسهم. علينا أن نتساءل عن اعتقادهم بما تفعل الأوليغارشية العالمية بكل هذه القوة و السلطة. هل عليهم فقط الجلوس في وضع الخمول و مشاهدتها (أي السلطة) تنزلق بعيدا بينما يدور العالم حولهم؟

في الواقع، لم يكونوا خاملين على الإطلاق. و كما تشهد على ذلك بياناتهم و أفعالهم، فإنهم ما فتئوا يستعدون للانتقال إلى النظام الجديد المتعدد الأقطاب منذ عقود.

تطلع الأوليغارشية العالمية لنظام عالمي جديد

للتوضيح: في عام 2009، قال المستثمر العالمي، المضارب في العملات و الأوليغارشي جورج سوروس لصحيفة فاينانشال تايمز:

 ” [أنت حقًا بحاجة إلى إدخال الصين في إنشاء نظام عالمي جديد، نظام عالمي مالي. [. . .] أعتقد أنك بحاجة إلى نظام عالمي جديد يجب أن تكون الصين جزءًا من عملية إنشائه و عليهم الشراء فيه. عليهم أن يمتلكوه بنفس الطريقة التي تمتلك بها الولايات المتحدة إجماع واشنطن، النظام الحالي [.] [. . .] أعتقد أن مقوماته موجودة بالفعل لأن مجموعة العشرين، بموافقتها على مراجعات الأقران، تتحرك بشكل فعال في هذا الاتجاه. [. . .] وما دام الرنمينبي مرتبطا بالدولار، فإنني لا أرى كيف يمكن لهبوط الدولار أن يذهب بعيدا جدا. [. . .] [الانخفاض المنظم للدولار أمر مرغوب فيه بالفعل.[. . .] ستظهر الصين كمحرك يحل محل المستهلك الأمريكي و [. . . ] ستكون الصين هي المحرك الذي يدفعه [الاقتصاد العالمي] إلى الأمام، و ستكون الولايات المتحدة في الواقع عائقا يتم سحبه من خلال الانخفاض التدريجي في قيمة الدولار”.

وفقًا لممثلي الحكومتين الروسية و الصينية، فإن النظام العالمي المتعدد الأقطاب، الذي من المفترض أن يقوده كل منهما، سيمكن مجموعة العشرين، بدلاً من مجموعة السبع، من إدارة “الحكامة الاقتصادية العالمية”. لا مفاجآت هناك.

علاوة على ذلك، من المفترض أن الهدف المعلن هو إعادة إنشاء “النظام العالمي القائم على القانون الدولي” الذي من شأنه أن يعزز “التعددية القطبية الحقيقية مع الأمم المتحدة”. و سيواصل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعب “دور مركزي و تنسيقي”، بهدف تعزيز “العلاقات الدولية الديمقراطية” و “التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم”.

و لا يمكن تمييز هذه الأجندة العالمية تقريبا عن تلك التي يروج لها “النظام الدولي أحادي القطب القائم على القواعد “. الفرق المزعوم هو أن روسيا و الصين ستقودان نظاما متعدد الأقطاب يتمحور حول بريكس. و يقوم بأكثر من مجرد التشدق بالقانون الدولي و الاتفاق متعدد الأطراف. و يزعم أن النموذج المتعدد الأقطاب، سيلتزم بالقانون الدولي و سيركز على اتخاذ القرارات الجماعية.

شراكة بلاكروك مع روسيا و الصين

إن التراجع المتأخر من قبل بعض الولايات الأمريكية ضد استراتيجية استثمار BlackRock في صناديق التقاعد الأمريكية ليس سوى إزعاجا طفيفا لعملاق الشركة العالمي. بينما ضغطوا على الاقتصاد الأمريكي من أجل «إزالة الكربون»، لم يتبعوا نفس النهج في الصين.

قررت شركة BlackRock، والأوليغارشيين الغربيين الذين يستثمرون فيها، القيام باستثمارات هائلة في شركة PetroChina الصينية العملاقة للهيدروكربون «المملوكة للدولة».

شركة بلاكروك أكبر فروع الأوليغارشية العالمية.
شركة بلاكروك أكبر فروع الأوليغارشية العالمية.

تعد شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) من بين أكبر شركات طاقة “الوقود الأحفوري” في العالم. و هي تتعامل في كل من الغاز و النفط، و PetroChina هي ذراعها المدرجة في البورصة.

كانت بلاك روك  في عام 2021. أول شركة أجنبية “تسمح” لها الحكومة الصينية بإطلاق صندوق مشترك في الصين يهدف إلى تحقيق “نمو رأس المال على المدى الطويل” للمستثمرين الصينيين. و سوف يأتي نمو رأس المال من التزام بلاك روك ب “التنمية المستدامة”. قوبل هذا بالذعر من قبل وسائل الإعلام الغربية، و بسخط الأوليغارشي جورج سوروس، الذي ادعى أن هذا كان خطأ فادحا، و أضاف:

“تُعرّض مبادرة بلاك روك مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى للخطر. لأن الأموال المستثمرة في الصين ستساعد في دعم نظام الرئيس تشي بينغ”.

يناسب أسلوب الصين الاستبدادي للحكومة التكنوقراطية شركة بلاك روك. في حديثه إلى إريك شاتزكر من بلومبرج في عام 2011، قال لاري فينك الرئيس التنفيذي السيئ السمعة لشركة بلاك روك:

” الأسواق لا تحب عدم اليقين. الأسواق في الواقع، مثل، الحكومات الشمولية حيث لديك فهم لما هو موجود، و من الواضح أن البعد بأكمله يتغير الآن. [. . . ] بإضفاء الطابع الديمقراطي على البلدان. و الديمقراطيات فوضوية للغاية، كما نعلم في الولايات المتحدة” [.]

جاء ذلك في أعقاب تعليق جورج سوروس عام 2010 بأن «الصين اليوم ليس لديها اقتصاد أكثر قوة فحسب، بل لديها في الواقع حكومة تعمل بشكل أفضل من الولايات المتحدة». لذلك ربما يكون خلافه الصغير مع BlackRock مفاجئًا.

الخلاف بين الأوليغارشيين وارد

كما هو مذكور في الجزء 1، فإن الأوليغارشيين ليسوا مجموعة متجانسة من الأوتوماتونات التي تفكر جميعها بعقل واحد. إنهم ملتزمون بشكل جماعي بأهداف طويلة الأجل، و لكنهم غالبًا ما يختلفون حول كيفية تحقيقها.

في حين يبدو أن مستثمري بلاك روك يرون أن التكنولوجيا الصينية مفيدة. فقد سعى سوروس دائما إلى زعزعة استقرار الأمة من الداخل، من خلال وسائل ثورية مختلفة، ثم استخدام ثروته لتثبيت النظام الذي يريده. إن دعمه الواضح للثورة العنيفة في هونغ كونغ و جرائمه المالية، الموجهة ضد الشركات الصينية، لم يجعله محبوبا من  قبل الأوليغارشية الصينية.

لكن إزعاج شركائك ليس سببًا لإغفال اللعبة الطويلة. بعد أن حدد علنًا الحكومة الصينية، واصفًا شي جينبينغ بأنه “أخطر عدو” للديمقراطية في عام 2019، دعم سوروس منظمات غير حكومية مثل حركة Sunrise و ActionAid USA و كتب خطابًا مفتوحًا إلى الإدارة الأمريكية في عام 2021، يحث فيه على توثيق التعاون مع الصين بشأن طموح الأوليغارشيين المشترك للتنمية المستدامة.

بعد حرب روسيا مع أوكرانيا و رد الغرب على العقوبات، لا يبدو استثمار بلاك روك في بتروتشاينا مثل هذا الخطأ الهائل الآن. و شهد الارتفاع الحاد في أسعار النفط زيادة كبيرة في أرباح بتروتشاينا. كما هو الأمر مع كل شركات النفط و الغاز الأخرى تقريبا. لكن استراتيجية الاستثمار الصينية لشركة بلاك روك ذكية لأسباب أخرى أيضا.

مع توجيه تدفقات الطاقة فجأة بعيدًا عن الغرب و نحو الشرق، فإن تحركات مثل صفقة بمليارات الدولارات بين شركة غازبروم الروسية «المملوكة للدولة» و شركة CNPC الصينية «المملوكة للدولة» ستزيد من تحسين أرباح بلاك روك.

هيمنة الأوليغارشية العالمية

بدفع من العقوبات، ستقوم Gazprom و CNPC بأعمالهما بالروبل و اليوان. ما يترتب على ذلك من دعم لعملاتهم، يعزز خطة بريكس لتحدي أولوية الدولار كعملة احتياطية. مع تشغيل صندوقها المشترك الصيني، لن يستفيد مستثمرو BlackRock من صفقة PetroChina الخاصة بهم فحسب، بل هم أيضًا في وضع جيد للاستفادة من التحول المحتمل في النظام النقدي و المالي الدولي (IMFS).

الصين و روسيا من أكبر حلفاء الأوليغارشية العالمية.
الصين و روسيا من أكبر حلفاء الأوليغارشية العالمية.

يبدو أن BlackRock تمتلك تقريبا معرفة مسبقة قريبة من القوى السحرية.

لا يوجد تلميح إلى أن النظام العالمي المتعدد الأقطاب سيفعل أي شيء لمعالجة القوة المفرطة لأوليغارشية القطاع الخاص، الذين يهيمنون على شراكة الأمم المتحدة العالمية بين القطاعين العام و الخاص (UN-G3P). لا هم و لا محافظهم الاستثمارية محصورة داخل الحدود الوطنية. يمكن لأي دولة قومية أن تكون أداة استثمارية، و العلاقات الدولية هي مجرد جزء من تخطيطها المالي الاستراتيجي.

الآليات العالمية و شبكات الشراكة التي «تعمل كمضاعف للقوة» للقلة العالمية ليست في خطر. فيما يتعلق بالحكامة العالمية، من منظور الأوليغارشيين، فإن التحول إلى النموذج متعدد الأقطاب هو مجرد تغيير في الإدارة الوسيطية.

لا تزال أجندات سياسة الأوليغارشية، بما في ذلك إنشاء اقتصاد عالمي جديد مبني على التنمية المستدامة القائمة على الديون و فئات الأصول الطبيعية، و التي تم وضعها ضمن نظام نقدي و مالي دولي محايد للكربون، بقيمة 4 كوادريليون دولار (IMFS)، تسير بثبات على المسار الصحيح. و بعيدا عن التهديد، فإن النظام العالمي المتعدد الأقطاب أمر بالغ الأهمية. بدونه، لا يمكن المضي قدمًا في سرقة مواردنا الطبيعية و رسملة الطبيعة.

تخطيط لاري فينك

في الآونة الأخيرة، قال لاري فينك، متحدثًا في ندوة المبادرة العالمية لمؤسسة كلينتون:

” إذا أردنا تغيير العالم، فلا يوجد ما يكفي من المال الذي يذهب إلى العالم الناشئ. يجب أن نغير مواثيق صندوق النقد الدولي و البنك الدولي إذا أردنا الوصول إلى هناك. [. . .] هناك مجمعات ضخمة من رأس المال، و لكن رأس المال هذا غير مجهز [.] [. . .] الأمر متروك لأصحاب الأسهم […] بشكل أساسي مجموعة العشرين، يجب أن تكون لديهم رغبة في القيام بذلك. [. . .] إذا تمكنا من القيام بذلك، فإن مقدار رأس المال الذي سيذهب إلى العالم الناشئ، إلى إفريقيا [على سبيل المثال]، سيكون غير عادي. [..] هناك فرصة في السنوات القليلة المقبلة للقيام بذلك. و بعد ذلك سيكون لدينا، ليس فقط تحول تكتوني في العالم المتقدم، و لكن تحول تكتوني في جميع أنحاء العالم”.

ربما يفكر “لاري” في نوع الإصلاحات التي اقترحتها مجموعة البريكس، مستغلة الجائحة الكاذبة، في عام 2021. بشكل جماعي، أعلنت مجموعة البريكس أن أولويات إصلاح صندوق النقد الدولي و البنك الدولي تشمل «الحلول المبتكرة و الشاملة. بما في ذلك الأدوات الرقمية و التكنولوجية لتعزيز التنمية المستدامة» و تبسيط قدرة الدول على معالجة المشكلة المتعلقة بـ «الإرهاب و غسيل الأموال و عالم الإنترنت و علم المعلومات و الأخبار المزيفة.»

كما يود المهيمنون على النظام العالمي المتعدد الأقطاب أن يروا «إصلاح» مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. من خلال زيادة «تمثيل الدول النامية»، مثل البرازيل أو الهند أو جنوب إفريقيا، و بالتالي تتأرجح السيطرة لصالح مجموعة البريكس. كما أقروا بأن «أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 هي مجموعة شاملة و غير قابلة للتجزئة و بعيدة المدى و محورها الإنسان، من الأهداف العالمية و التحويلية». و قالوا إن كل هذا من المفترض أن يحسن «نظام الحكامة العالمية».

الاختلاف الوحيد الملحوظ هو أن مجموعة البريكس «أكدت على الحاجة الملحة لتجديد الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل تعزيز دورها و سلطتها».

اختراق بلاكروك لمجموعة البريكس

كما ناقشنا سابقًا، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، لا تتمتع الجمعية العامة بأي «سلطة». و مع ذلك، فإن الإصلاح المتوخى للجمعية العامة من طرف مجموعة البريكس، سيكون «وفقًا لميثاق الأمم المتحدة». إذا لم يكن بيان البريكس منطقيًا، فهذا لأنه لا يفعل ذلك.

شعار مجموعة “بريكس”.

من الواضح أن BlackRock و BRICS على نفس الصفحة. و لكن مع ترك ذلك جانبًا. فإن هذا النموذج الجديد للحكم العالمي، برئاسة الصين و روسيا، على الرغم من أنه نفس النموذج الحالي. سيكون أفضل على الأرجح لأن الأوليغارشيين الروس و الصينيين و الهنود ألطف من نظرائهم الغربيين. سنستكشف هذا الافتراض في الباب 3.

تمامًا مثل النظام الدولي القائم على القواعد (IRBO)، أشار النظام العالمي المتعدد الأقطاب إلى عزمه الحفاظ على أجندة الرقابة. يستند الالتزام بإصلاح صندوق النقد الدولي و البنوك العالمية بقوة، إلى التزام لا يتزعزع بـ «التنمية المستدامة» و أجندة 2030. – و بالتالي Agenda21 -. التي تناسب بلاك روك و فانجارد و بقية الشراكة بين القطاعين العام و الخاص بشكل مثالي.

من أجل أن يكون لهذا النموذج الجديد من «الحكامة العالمية» القائمة على مجموعة العشرين لدغة و ليس مجرد نباح ( فعل و ليس مجرد كلام). هناك حاجة إلى نظام ضريبي عالمي.

و تحقيقا لهذه الغاية، وضعت مجموعة العشرين و منظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) في كانون الأول (ديسمبر) 2021 اللمسات الأخيرة على « الركيزتين كحل لمواجهة التحديات الضريبية». [تقوم الركيزة الأولى على إعادة تخصيص الحقوق الضريبية إلى السلطات القضائية في السوق، و التي يُتوقع إلى حد كبير أن تكون دولًا نامية، و تقوم الركيزة الثانية بوضع حد أدنى عالمي للضريبة.]

من المفترض أنه مصمم لوقف التهرب الضريبي لـ «الشركات متعددة الجنسيات». و هو ما لن يفعله، فإن الدافع وراء هذا النظام الضريبي العالمي الناشئ، جاء إلى حد كبير من مجموعة العشرين.

و ليس من المستغرب أن تكون مجموعة البريكس الأساسية للنظام العالمي المتعدد الأقطاب، كلها موقعة على أول جهد متضافر لتشريع نظام ضريبي عالمي واحد و موحد و إخراجه إلى حيز الوجود. يبدو أن النظام العالمي الجديد، سوف يدخر لنفسه البقاء، تماما كما تفعل جميع الإمبراطوريات – من خلال فرض ضرائب على الناس.

تحرير “إيان دافيس” – ترجمة “منير علام”.

يتبع…

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *