المنتدى الاقتصادي العالمي… و تطورات المرحلة القادمة

تأسس المنتدى الاقتصادي العالمي في 24 يناير سنة 1971 و هو ” منظمة دولية غير حكومية” يقع مقرها في جنيف، سويسرا.

يشرف عليه ” كلوس شواب” منذ أن تم تأسيسه، و تتجلى المهمة الخاصة للمنتدى في ” تحسين حالة العالم من خلال إشراك رجال الأعمال و السياسيين و الأكاديميين و غيرهم من قادة المجتمع، لتشكيل أجندات عالمية و إقليمية و صناعية” ( موسوعة ويكيبيديا).

و يعقد اجتماعا سنويا في دافوس نهاية يناير من كل سنة، كما أنه يشارك في قمم و مؤتمرات أخرى تهم الشأن الاقتصادي العالمي، و لقد عظُم شأن كلوس شواب منذ سنة 2016 عندما نشر كتاب” الثورة الصناعية الرابعة” الذي ضمّنه مختلف التقنيات المستقبلية، ثم أتبعه بكتاب”إعادة الضبط الكبرى” الذي يضع خريطة طريق لما بعد “جائحة كورونا”.

و لتنزيل رؤيته المستقبلية، شارك “كلوس شواب” في قمة العشرين للأعمال [B20] التي أُقيمت في بالي بأندونيسيا بين 13_14 نونبر سنة 2022 و قال في بداية خطابه بأنه “يؤمن بشدة بمفهوم أصحاب المصلحة المتعددين الذي يعني أنه يتعين علينا جميعًا العمل معًا، الشركات، الحكومات و المجتمع المدني، لمعالجة القضايا المدنية في عالمنا”. و التعاون حسب شواب يهم إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية.

و إيجاد هذه الحلول حسب شواب لن يتأتى إلا عبر”  إعادة منهجية و هيكلية عميقة لعالمنا، و هذا سيستغرق بعض الوقت، و سيبدو العالم بشكل مختلف… التحول بطبيعة الحال هو الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب يميل إلى جعل عالمنا أكثر تجزؤاً، ولهذه الأسباب، فمجموعة العشرين و ما إلى ذلك تعمل كموصلات مهمة جدًا لتجزئة واسعة جدًا، أود أن أقول الكتلية بدلاً من عولمة عالمنا”.

                                                                قمة بالي بأندونيسيا نونبر 2022

                                                         قمة بالي بأندونيسيا نونبر 2022

و في إطار حديثه عن التحول الاقتصادي، تطرق لأربع نقط أساسية:

  أولا: “انتقال الطاقة الذي نحتاجه،[و] إعادة تشكيل سلاسل التوريد” و إعادة هيكلة الاقتصاد التي تكلم عنها شواب، تعني “خفض الدخل المتاح الذي يمكن أن يؤدي إلى توترات اجتماعية واسعة النطاق نراها في عالمنا النامي”، فهذا الانتقال يمكن أن يستمر لسنوات و يمكن أن يحدث الكثير من الأزمات، لكن شواب يقول، “نريد الخروج من هذا الوقت الانتقالي كعالم أكثر استدامة و أكثر مرونة وشمولية”.

   ثانيا: يتعلق الأمر بالثورة الصناعية الرابعة، و هو نفس العنوان لكتاب شواب، حيث قال عنه” كتبت الكتاب و تصورت فكرة هذه الثورة، و وصفت 23 تقنية، و قبل خمس سنوات فقط، العديد من هذه التقنيات كانت تعتبر خيالا علميا، [أما] اليوم [ف] أصبحت جميعها حقائق، و التقنيات الجديدة التي يتعين علينا التعامل معها [تتجلى في] التكنولوجيا الكمية و الميتافيرس”.

و هذه الثورة الصناعية الرابعة تختلف عن الثورات التي سبقتها من خلال ثلاثة عناصر؛  “أن نطاق [هذه الثورة] يتعارض مع الابتكار التكنولوجي السابق، و لا يتعامل مع ابتكار أو ابتكارين، إنها مجموعة كاملة من التقنيات التي تتفاعل وستغير طريقة إنتاجنا، كيف نستهلك، و كيف نتواصل”.

 و يضيف شواب بخصوص العنصر الثاني المتعلق بالسرعة،”إذا نظرت إلى الثورات التكنولوجية فإنها عادة ما تكون في شكل S-Curve، (منحنى) و الآن نحن في نقطة الانعطاف إلى تطور أسي، و ستتغير التكنولوجيا بالكامل، و ما نقوم به في هذا الوقت سوف يتغير و سيكون له تأثير على من نكون، فقط انظر كيف غيرت الإنترنت إلى حد ما هوياتنا على مدار العشرين عامًا الماضية”.

و ها قد ظهرت تقنية “Chat GPT” أواخر شهر نونبر الماضي بأسبوعين بعد انتهاء أشغال b20 و التي ستغير الكثير من القواعد، لأن كل الشركات باتت تتهافت على امتلاك تقنية ” الذكاء الاصطناعي” التي دشنتها شركة “مايكروسوفت”.

أما العنصر الثالث حسب شواب فيتعلق “بالفرق الذي نراه في الثورة الصناعية الرابعة [حيث إن] الفائزين يأخذون كل شيء، على عكس الثورة الصناعية السابقة، من الصعب للغاية نسخها، لذلك إذا كنت سَبَّاقا فأنت الفائز و هذا سيحدد المنافسة العالمية على المستوى الوطني، و لكن أيضًا إلى حد كبير على مستوى الأعمال، و آمل ذلك بطريقة ليست عدائية للغاية في السنوات القادمة”.

ثالثا: تتجلى النقطة الثالثة في” التعاون بين القطاعين العام و الخاص،[يضيف شواب] اليوم سيقول بعض الناس حتى قبل عامين حين ضربت الأزمة، لم تكن الأعمال التجارية هي الرائدة، بل كانت الحكومة هي الرائدة منذ بداية أزمة كوفيد حتى الآن… يجب أن تكون الحكومات و الشركات رائدة بشكل مشترك،  و الحكومات و الشركات يجب أن تتعاون من أجل أن تصبح مثل السمكة السريعة، لأنه في عالمنا اليوم لم يعد الأمر كذلك، إن السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة كما أن السمكة السريعة تأكل السمكة البطيئة، و لكي تكون سمكة سريعة و سمكة كبيرة، يجب أن يكون لديك طياران مساعدان من رجال الأعمال و الحكومات”. و هذا الأمر بات جليا من خلال تزايد نفوذ الشركات الخاصة مثل بلاكروك و فانگارد التي باتت تتحكم في العديد من القطاعات الحيوية في جل دول العالم.

 رابعا: أما النقطة الأخيرة فتتعلق بالثقة، و يوضح شواب ذلك بقوله “إذا كان العمل حقا قوة من أجل الخير و هو ما يجب أن يكون عليه، فيجب على الأعمال التجارية ممارسة رأسمالية أصحاب المصلحة كمبدأ، و يجب أن تخدم الناس و أن تعتني بكوكبنا، فقط بهذه الطريقة ستكسب الأعمال الثقة التي تحتاجها لتكون قوة مبتكرة لجعل مجتمعنا مجتمعا أفضل”.

كلوس شواب بصدد شرح استراتيجية المنتدى الاقتصادي العالمي.
كلوس شواب بصدد شرح مخطط المنتدى الاقتصادي العالمي

هذه إذن النقط الأساسية التي تطرق لها كلوس شواب في مداخلته أثناء قمة العشرين الخاصة بالأعمال، و هي تنظير و تنزيل لما هو مخطط إنجازه في الأعوام القادمة، من تعميق الذكاء الاصطناعي الذي سيغير الكثير من حياتنا في مدة قصيرة، بالإضافة إلى تقوية الشركاء المتعددين الذين أصبحوا يخترقون الدول و يتحكمون في الاقتصاد و يسيطرون على الأصول، و المغرب حزء من ذلك كما هو الأمر مع الكثير من دول العالم، و كلوس شواب يغلف هذا الأمر بكلمات براقة حين يقول” عندما ننظر إلى المستقبل، يمكننا أن نكون مليئين بالثقة إذا سمعنا بثلاثة مفاهيم، هي التحول الابتكاري، والابتكار، والتعاون”.

كما وضع “المنتدى الاقتصادي العالمي” في مؤتمر دافوس الأخير الذي امتد من 16 إلى 20 يناير 2023 خمس نقط أخرى تهم التحكم في المستقبل و حمايته:

     1: معالجة أزمتي الطاقة و الغذاء الحاليتين في سياق نظام جديد للطاقة و المناخ و الطبيعة.

     2: معالجة التصخم المرتفع الحالي، و النمو المنخفض و اقتصاد الديون المرتفع في سياق نظام جديد للاستثمار و التجارة البينية.

     3: معالجة الرياح المعاكسة للصناعة الحالية في سياق نظام جديد لتسخير التقنيات الرائدة من أجل ابتكار القطاع الخاص و مرونته.

     4: معالجة أوجه الضعف الاجتماعي الحالية في سياق نظام جديد للعمل و المهارات و الرعاية.

     5: التصدي للمخاطر الجيوسياسية الراهنة في سياق نظام جديد للحوار و التعاون في عالم متعدد الأقطاب.

كلوس شواب في مؤتمر دافوس 2023.

                                      كلوس شواب في مؤتمر دافوس 2023.

كما يبدو من خلال هذه النقط، فلا جديد في كل المستجدات، “النظام الجديد للطاقة هو الاتفاقية الخضراء الجديدة، و النظام الجديد للتعاون الدولي هو نوع من الحكامة العالمية، و نظام جديد للاستثمار و التجارة يغطي الكثير من الموضوعات بما في ذلك العملة الرقمية”.

تحدث المؤتمرون أيضا في  “لقاء دافوس” الأخير   عن المعلومات المضللة و الأخبار اليومية بالإضافة إلى تقديم حلول ملموسة لكل هذه المعضلات، و عند إمعان النظر في دلالة العبارات فإنها تبدو على غير ما هي عليه:

” ف”النظام الجديد” يعني إصلاح الأنظمة العالمية السياسية و المالية.

و ” التحكم في الأخبار اليومية” يعني قول أكاذيب أكثر قابلية للتصديق و الحد من النقاش العام.

و ” مواجهة المعلومات المضللة” تعني فرض الرقابة خاصة على الأنترنت.

أما “تقديم الحلول الملموسة” فيعني اتخاذ المزيد من الإجراءات المباشرة من الإجبار و السياسة”. ( موقع technocracy).

و جون كيري المبعوث الأمريكي الخاص بالمناخ قال بأن أعضاء المنتدى الاقتصادي العالمي هم مجموعة مختارة من البشر تعمل على حماية مستقبل البشرية.

فالتحول و الابتكار و التعاون، و التحكم و الحماية، كلها مفاهيم تحمل الخير و الجميل في ظاهرها، لكن في باطنها تضمر الأهداف الخفية الرامية إلى هيكلة العالم هيكلة واحدة تمهيدا لحكمه بنظام عالمي واحد.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *