بلاك روك تهيمن على العالم

تأسست شركة بلاك روك “BlackRock” سنة 1988 و هي “شركة متعددة الجنسيات” يقع مقرها في نيويورك. شرعت منذ تأسيسها في إدارة المخاطر و الأصول المؤسسية ذات الدخل الثابت. حيث تبلغ الأصول الخاضعة لإدارة الشركة 10 تريليون دولار. و هي بذلك أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، يشرف عليها ” لاري فينك” منذ تأسيسها. 

و نظرا لدورها الكبير على الساحة الدولية، فقد أرسل لاري فينك في 24 مارس 2022. – شهر واحد بعد انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية- رسالة إلى الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبرى في العالم، قال في بدايتها:.”بينما أكتب هذه الرسالة إليكم، يمر العالم بتحول:. لقد أدى هجوم روسيا الوحشي على أوكرانيا إلى قلب النظام العالمي الذي كان ساريًا منذ نهاية الحرب الباردة، قبل أكثر من 30 عامًا. الهجوم على دولة ذات سيادة شيء لم نشهده في أوربا منذ ما يقرب من 80 عامًا. ولم يتخيل معظمنا أبدًا أنه في حياتنا سنرى حربًا مثل هذه تشنها قوة نووية عظمى”.

بعض ما جاء في الرسالة :

و قد تضمنت هذه الرسالة عدة نقط منها:

+ الحرب ستسرع التحول نحو مصادر طاقة أكثر خضرة في أجزاء كثيرة من العالم. 

+ الغزو الروسي لأوكرانيا سيسرع التحول نحو العملة الرقمية و سيفرض نفسه على الدول، لأن الحرب ستدفع البلدان إلى إعادة تقييم اعتماداتها من العملة. 

+ تغيير العلاقات الدولية لأن الغزو الروسي لأوكرانيا وضع حدا للعولمة التي شهدناها على مدى العقود الثلاثة الماضية.

فشركة “بلاك روك” بتوجيهها هذه الرسالة، لها مصلحة كبيرة في أوكرانيا. والتي بدأت من “خلال شراء الأراضي وترسيخ نموذج زراعي صناعي موجه للتصدير” و ذلك باعتماد البذور المعدلة جينيا. وقد “بدأت هذه السيطرة منذ تسعينيات القرن الماضي عندما تم السماح للأمريكيين بامتلاك الأراضي من خلال تواجد عدد منهم في الحكومة الأوكرانية. و”في نونبر 2013 صاغ الاتحاد الزراعي الأوكراني تعديلًا قانونيًا من شأنه أن يفيد منتجي الأعمال التجارية الزراعية العالمية. من خلال السماح بالاستخدام الواسع النطاق للبذور المعدلة وراثيًا”. واستهدفت الشركة من كل هذا “ترسيخ نموذج زراعي صناعي موجه للتصدير”. 

إعادة إعمار أوكرانيا

و لا يقتصر اهتمام “بلاك روك” على القطاع الزراعي، بل تعداه إلى قطاع صناعة الأسلحة. حيث إنها “استثمرت أكثر من 813.5 مليار دولار في شركات تصنيع الأسلحة”. كما أشار” صندوق الزراعة العالمي التابع لشركة BlackRock[أن الشركة] “ستستثمر في الشركات المشاركة في المنتجات الكيميائية ذات الصلة بالزراعة و المعدات و البنية التحتية. بالإضافة إلى السلع اللينة و الأغذية و الوقود الحيوي و الغابات و العلوم الزراعية و الأراضي الصالحة للزراعة”.

و إذا كانت الشركة قد خصصت هذه الأموال لأوكرانيا قبل الحرب، فإنها تريد أيضا إعادة إعمارها. حيث أشار “بيان رسمي صدر في أواخر ديسمبر 2022 إلى أن الاتفاقية مع شركة بلاك روك ستفعل ذلك من خلال “التركيز في المدى القريب على تنسيق جهود جميع المستثمرين و المشاركين المحتملين في إعادة إعمار أوكرانيا ، و توجيه الاستثمار إلى القطاعات الأكثر صلة و تأثيرًا في الاقتصاد الأوكراني. “

و ذلك ما فعله “لاري فينك” فقط الأسبوع الماضي، “5 ماي 2023”. حيث التقى “زيلينسكي” و تم الاتفاق على إطلاق” صندوق تنمية أوكرانيا” مع الحكومة الأوكرانية لجذب رؤوس الأموال العامة و الخاصة لإعادة إعمار أوكرانيا”. وذلك حسب ما صرحت به الحكومة الأوكرانية يوم 8 ماي. وكان البنك الدولي قد قدّر في مارس الماضي، أن أوكرانيا ستضطر إلى استثمار 411 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة للتعافي من الحرب و إعادة إعمار البلاد”. و هذه الأموال طبعا ستستثمرها بلاك روك

 لاري فينك زعيم شركة بلاك روك التي تهيمن على العالم.

           فولدومير زيلينسكي        لاري فينك    

و بهذا ف “بلاك روك” أصبحت أكبر مستفيد من الحرب الدائرة في أوكرانيا، لأن الشركة تربح من الدمار و تربح من الإعمار. لذلك، من الممكن أن تستمر الحرب لمدة زمنية طويلة.

الهيمنة على سوق الأسهم

فشركة “بلاك روك” التي أصبحت بهذه القوة و السطوة على الساحة الدولية، راكمت ثروة هائلة جدا و لا زالت تفعل ذلك. لأن أرباب المال يؤمنون بأن من لا يتقدم يتقهقر، و بإحصاء بسيط لما تمتلكه الشركة أو ما تتصرف فيه، يتبين ما يلي:

+ “يمتلك صندوق “بلاك روك” العالمي للسلع الاستهلاكية الأساسية، الذي تم إطلاقه في عام 2006. [ما قيمته] 560 مليون دولار أمريكي من الأصول الخاضعة للإدارة”. 

+ تمتلك أسهمًا في عدد من أكبر شركات الأغذية في العالم، حيث تشكل أسهم الأغذية الزراعية حوالي 75٪ من الصندوق. نستله Nestlé هي أكبر شركة مملوكة للصناديق. و تشمل شركات الأغذية الزراعية الأخرى التي يتكون منها الصندوق Coca-Cola و PepsiCo و Walmart و Anheuser Busch InBev و Mondelez و Danone و Kraft Heinz. “

+ تمتلك مؤشر ishares core s&p 500 الذي بواسطته تهيمن على أصول بقيمة 150 مليار دولار و” معظم شركات الأغذية و الزراعة المتداولة علنًا هي جزء من مؤشر S&P 500 و تمتلك BlackRock أسهمًا كبيرة في تلك الشركات”. 

الهيمنة الزراعية:

يمتلك صندوق “بلاك روك” أصولا بقيمة 231 مليون دولار. ويركز على الشركات التي توفر المدخلات (البذور و الكيماويات و الأسمدة) والمعدات الزراعية وشركات التجارة الزراعية”.

وبهذه القوة و السطوة، ف” بلاك روك” مسؤولة” عن نزوح نظم الإنتاج المحلية، و إفقار العديد من المزارعين في جميع أنحاء العالم. وتدمير المجتمعات و الثقافات الريفية، و رداءة نوعية الغذاء و المرض، و تقليل تنوع النظم الغذائية، و تدمير البيئة. وإضفاء الطابع البروليتاري على المنتجين المستقلين”.

أبدت الشركة اهتماما كبيرا بالقطاعات الحيوية خاصة ما يتعلق بالزراعة و الطاقة، حيث قال لاري فينك “المستثمر الكبير في المجال الزراعي لا يعتمد في ذلك على البذور الطبيعية، بل يؤمن بأن” مستقبل الطعام و الأغذية مع البذور المعدلة جينيا التي تنتج الأسمدة الخاصة بها” لأن فينك نفسه قال سنة 2011 : ” إن الاستثمارات الزراعية و المائية ستكون الأفضل أداءً على مدى السنوات العشر المقبلة”.  

و هذه الثورة الخضراء أو-” المخطط الأخضر” كما يصطلحون عليه في المغرب-. أُحدثت من أجل القضاء على البذور التقليدية و تعويضها بالبذور المشفرة بهدف بسط السيطرة على قطاع الأغذية في العالم. و ترسيخ الكيماويات الزراعية في الزراعة العالمية. و كل هذا أفقد المزارعين الصغار استقلاليتهم فأصبحوا خاضعين للشركات الكبرى في مراحل الإنتاج.

الهيمنة على سوق الأغذية:

والأغذية المعدلة جينيا ارتبطت بالأطعمة فائقة المعالجة (ultra-processed foods) التي بدأت في البلدان الغنية وتعممت الآن على كل دول العالم. والأطعمة فائقة المعالجة حسب بحث صادر عن جامعة كارولينا الشمالية¹ تقوم على “تغيير الطعام عن حالته الطبيعية، مثل التجفيف أو التجميد أو الطحن أو التعليب أو إضافة الملح أو السكر أو الدهون أو أي إضافات أخرى للنكهة أو الحفظ”. 

وهكذا أزاحت الأطعمة المعالجة من أطباق الشعوب الأطعمة الطبيعية غير المعالجة وتسببت في إحداث أضرار اقتصادية واجتماعية وصحية كبيرة جدا. وهذا يعد – حسب جامعة كارولينا الشمالية- عاملا مسؤولا عن العديد من “المخاطر الصحية المرتفعة، بما في ذلك زيادة الوزن و السمنة و مرض السكري من النوع الثاني، الاكتئاب و أمراض القلب و الأوعية الدموية و الدماغ و الأوعية الدموية”².

و هذا يبين بشكل واضح أن أجندة البذور المعدلة جينيا و الأغذية المعالجة تعمل بشكل وثيق مع شركات الأدوية التي تستثمر في الأمراض و لا تهمها صحة الإنسان. حيث كثرت أمراض الجهاز الهضمي خاصة القولون العصبي.

كما أن الشركات العملاقة تتحد ضمن كارتيلات كبرى تهيمن على قطاعات متعددة و تحاصر الإنسان من كل جانب. حيث “تمتلك عمالقة إدارة الأصول – BlackRock و Vanguard و State Street و Fidelity و Capital Group – نسبًا كبيرة من الشركات التي تهيمن في نقاط مختلفة على طول سلاسل توريد الأغذية الزراعية“.

الهيمنة المالية:

وشركة “بلاك روك” التي نحن بصددها لا تقتصر سلطتها على المجال الزراعي ومجال الأغذية، بل تمتد هيمنتها إلى القطاع المالي. حيث تمكن الهيمنة المالية شركة بلاكروك من بسط سيطرتها “على الحكومات و المؤسسات المهمة مثل البنك المركزي الأوربي و الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. و معظم البنوك الضخمة في وول ستريت، بما في ذلك جولدمان ساكس، و منتدى دافوس الاقتصادي العالمي العظيم”. 

وما الإفلاسات المالية التي تتعرض لها الأبناك الصغرى إلا خطوة من أجل تمكين الأبناك الكبرى من السيطرة عليها، بهدف الانتقال السلس نحو إقرار العملة الرقمية. و ما الخطوة التي أعلن عنها” بنك المغرب” المتعلقة بفرض غرامة مالية على المعاملات النقدية المباشرة إلا خطوة من خطوات رقمنة الاقتصاد و كل العمليات التي يقوم بها المستهلكون و المنتجون.

 إذن، فالشركة لها ما يكفي من السلطة و النفوذ لفرض النموذج الاقتصادي الذي تريده البلوتكراسيا. و الدليل الآخر على ذلك النفوذ يتجلى في أن “فينك نفسه مليارديرا يجلس في مجلس إدارة المنتدى الاقتصادي العالمي و مجلس العلاقات الخارجية، الذي غالبا ما يشار إليه باسم حكومة الظل للولايات المتحدة”.

الهيمنة السياسية

 و ما دامت الشركة بهذا الوضع، فإنها من أكبر المستفيدين من الأزمات التي يعيشها العالم الآن. كما تعد من أكبر المشرفين على نقل الهيمنة من أمريكا إلى الصين. لأنها تعمل على نقل القوة المالية من الغرب إلى الأبناك الصينية. لأن الصين التي تقود مجموعة البريكس تسعى لفرض عملتها .اليوان. على دول المجموعة ( الهند، روسيا، البرازيل و جنوب إفريقيا) بهدف تقويض الدولار و نزع رداء الهيمنة عن العم سام. لأن الدولار بات في أيامه الأخيرة، و ثورة “بلاك روك” و سطوتها لا تحتمل الخسارة. لهذا خبراؤها “يديرون السياسة الاقتصادية لإدارة بايدن، و [يوجهون] «إعادة الضبط الكبرى» و الأجندة «الخضراء» العالمية.

و الحديث عن “بلاك روك” لوحدها فقط لا يؤتي أكله دون الحديث عن فانغارد، ثاني أكبر مالك للأصول بقيمة تفوق 8 تريليون دولار. والشركتان تنسقان مجهوداتهما من وراء الستار لتمكين أجندة متعددة: الذكاء الاصطناعي، الطاقة الخضراء ، صفر كربون، اللحوم الاصطناعية، ما بعد الإنسانية… و ذلك بهدف إحداث تحول على كافة المستويات من أجل تهييئ الشعوب لتقبل نظام حكم واحد. و ما التعددية القطبية التي نعيشها الآن سوى فترة انتقالية نحو مرحلة أخرى لم تعهدها البشرية من قبل. 

____________________________

قائمة المراجع:

¹: Global research program, University of north Carolina at Chapel Hill, P 1.

²: Global research program, University of north Carolina at Chapel Hill, P 2.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *