الثورة الجنسية

عرف العالم بعد الحرب العالمية الأولى انبثاق الموجة الأولى من الثورة الجنسية، حيث انتشرت ظاهرة الصداقة بين الشباب خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، و صار الاتصال الجنسي قبل الزواج مسألة لا تثير غضبة و لا شبهة، و تعززت هذه الممارسات بالموجة الثانية من الثورة الجنسية التي عرفتها فترة الستينيات و السبعينات، و التي تركزت في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا.

لقد انتشرت حرية التعبير الجنسي و حرية الممارسة الجنسية و تقوت بعد انتشار الصناعة الجنسية مثل الأفلام الاباحية و بعض المجلات مثل playboy. و من حينها بدأت الحركات الداعية للواط والسحاق بالظهور على الساحة السوسيوثقافية. كما غزت الثورة الجنسية شتى المجالات، حيث أصبحت الدعوة إلى التحرر و التركيز على الغرائز أمر شائع في السينما و الأدب على الخصوص.

فرويد و عنصر اللذة

يلعب عامل اللذة دورا كبيرا في توجيه سلوك الإنسان و التأثير عليه. و هذا ما انتبه إليه مؤسس علم النفس سيگموند فرويد (1856-1939) [عالم نفس نمساوي الأصل] الذي أكد على الدور المحوري للجنس في حياة الإنسان و اعتبره محركا أساسيا للتاريخ البشري. و قد ركزت نظريته على عدة نقط منها ما يلي:

  • طاقة اللذة هي تجسيد لكل ما هو موجود
  •  الإنسان يعيش حسب مبدأ اللذة
  •  الفرد يتطلع لإشباع رغباته و خاصة الجنسية منها.
  •  الدين يكبح هذه اللذة و يكبتها، مما يشكل عائقا أمام الممارسة الفعلية لهذه اللذة.
  •  الشذوذ حالة طبيعية في الإنسان.

 لقد لعبت هذه الأفكار التي جاء بها فرويد الأساس الذي قامت عليه كل الحركات الرامية لرفض الدين كعنصر كابح و مقيد لحرية الفرد.

سيكموند فرويد

الجنس أساس الحياة الاجتماعية

و تابع هذا المسار “فيلهلم رايخ” النمساوي الأصل أيضا الذي ازداد سنة 1897. حيث شارك في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الجيش النمساوي. و بعد هزيمة بلاده في الحرب توجه سنة 1918 إلى الجامعة و تخصص في الطب النفسي و التحق بالجمعية التي أسسها فرويد. وأكد أن ” الحياة الجنسية هي الأساس الذي تقوم عليه الحياة الاجتماعية و كذلك الحياة الداخلية للفرد”. وتابع أبحاثه في مجال علم النفس إلى حين وفاته سنة 1957.

يعتبر رايخ أول من صاغ مفهوم الثورة الجنسية نظرا لأن محور أبحاثه كان يرتكز على اللذة الجنسية التي اعتبرها خزانا لطاقة هائلة يحتويها جسم الإنسان، و لكي يكون الإنسان حرا يجب أن يحرر هذه الطاقة،و من حينها اعتبرت الحرية الجنسية من الأسس التي ينبني عليها المجتمع المتحضر.

بعد هذا التأكيد على أهمية الجنس و حرية التعبير عن الجسد برزت الحركة النسائية أو feminism. التي قادتها عدة ناشطات اللاتي كن يرين أن الزواج هيمنة ذكورية. و أن الذكور لهم عدة امتيازات ليست للمرأة من قبيل الدخل و مناصب العمل المحدودة. مما دفعهم للثورة على خضوع المرأة للرجل و تجريب نوع جديد من العلاقات تكون فيه المساواة شرطا ضروريا.

إحدى مظاهرات الحركة النسائية.

هذه الحركة النسائية التي رفضت الزواج دعت إلى تعزيز حرية الممارسة الجنسية، و قد كانت هذه الدعوة التحررية مدخلا لإعلان السحاق كحق طبيعي للأنثى المتمردة على القوانين الطبيعية و الأعراف الاجتماعية، و قد تلقت هذه الدعوات دعما كبيرا من لدن عدة جمعيات و منظمات كانت تضع علم النفس الفرويدي القاعدة الأساس لأنشطتها.

هيرشفيلد و المثلية

لم يقتصر الأمر على الأنثى التي تمردت على المُثل، بل تمرد الرجل أيضا و عوض أن يكون مثلا في الرجولة اختار أن يكون مثليا و سار في درب الرفض و التمرد على الطبيعة التي ازداد بها. و هنا لعب ماغنوس هيرشفيلد دورا كبيرا [طبيب و عالم جنس ألماني ازداد سنة 1868 و توفي سنة 1935] حيث نادى سنة 1896 بحق الناس في حرية الجنس و اختيار التوجه الجنسي. كما أسس الصندوق العلمي الإنساني الذي جعل من دعم اللواطيين شغله الشاغل، و اعتبر اللواط ظاهرة طبيعية جدا لا يجب أن يدينها المجتمع.

و قد ساهمت هذه الأفكار اللواطية بقدر كبير في تحفيز تجمعات المثليين على تعزيز نشاطاتهم داخل الولايات المتحدة الأمريكية. حيث حصلوا على حق عقد القران  و تبني الأطفال. إذ اعتبر أن الشذوذ الجنسي مكون طبيعي في الإنسان و من حقه أن يعبر عنه كيف ما شاء و متى شاء.

لقد كانت هذه الدعوات السحاقية و اللواطية ضربة موجعة للأسرة. نظرا لاعتبارها الزواج مؤسسة تقلل من حرية الشخص و تكبح مشاعره الدفينة.

شيطنة الزواج

لقد لعبت هذه الأفكار التي نادى بها علماء النفس دورا أساسيا في تشويه الطبيعة التي ازداد بها الإنسان. كما اعتبرت أن  تحرير النزوات الجنسية شرط ضروري لحالة الفوضى.

كما  شن رواد الثورة الجنسية حملة شرسة على الحب كفضيلة روحية تربط بين شخصين تعاهدا على التسامي و العيش بنمط إنساني. و من أجل نشر الأفكار الداعية للتحرر الجنسي، تم تسخير الإعلام قصد الترويج لمزايا الثورة الجنسية و ضرورة إطلاق العنان للشهوة. كما شن الإعلام أيضا حربا ضروسا على الرافضين للثورة الجنسية حيث تم اعتبارهم أعداءً للتقدم و الحرية.

فك الارتباط بين الرجل و المرأة

لم تتوقف موجات الثورة الجنسية عند هذا الحد بل تطورت لترفض الطبيعة التي خلق الله بها بني آدم. وذلك عبر تغيير الجنس و خصائص النوع، أي إضفاء خصائص الذكور على الإناث و صفات الإناث على الذكور. ولا زال العمل يسابق الزمن في هذا الجانب حيث يتم خلع صفات الرجولة عن الذكور لكي تصبح سلوكياتهم قريبة من الأنثى. والجدير بالذكر أن الذكور ينقسمون إلى صنفين:

  • ذكور ألفا ALPHA: يحملون كل صفات الرجولة.
  • ذكور بيتا BETA : يميلون إلى سلوك الأنثى و تندثر مميزات الذكورة لديهم.

وقد ساهم اكتشاف أترازين Atrazine ( في الأصل مبيدات حشرية) في تفعيل التغيير من صفات الذكورة. حيث تم تجريبها على ذكور الضفادع و تبين أنها جعلت من العلجوم يتصرف مثل الأنثى. و لم تعد له رغبة في المعاشرة بل صار يقبل بلعب دور الأنثى. و ليس مستبعدا أن يتم حقن الإنسان بهذه المواد، لأن الفترات الأخيرة باتت تشهد تغيّرات جذرية في طبائع الإنسان.

آثار الثورة الجنسية على المجتمع

نشر بيتريم سوروكين كتاب ثورة الجنس الأمريكية سنة 1956 و توقع من خلاله التغيير الواسع الذي طرأ على المجتمع الأمريكي منذ الستينيات و أثر على جميع مناحي الحياة، عن طريق إضعاف الرأسمال الاجتماعي و الثقة المتبادلة و تزايد النرجسية، مما جعل المجتمع يعيش تفسخا كبيرا.

كما بين من خلال انتقاداته أن ”النموذج الجنسي الجديد يُعرِّض جوهر المجتمع للخطر و هو علامة على انحطاطه. وأشار أيضا إلى أن أخلاق المجتمع تتدهور عندما تصبح ضروراته و قواعده الأخلاقية غير ذات صلة و نسبية و قابلة للتغيير حسب الرغبة  و المصلحة“¹. كما أكد  ”أن الثورة الجنسية تعد السبب الرئيسي لجميع الاضطرابات و أعمال الشغب التاريخية”².

 و قد بين أيضا من خلال كتابه السالف الذكر أن ” الأدلة المستمدة من كل ثورة و اضطرابات اجتماعية مهمة تقريبًا منذ أقدم الاضطرابات المصرية (2500 قبل الميلاد) حتى الوقت الحاضر، [تُظهر] العلاقة الوثيقة بين الثورة  الجنسية و الثورات الاجتماعية و السياسية”³. و من أبرز آثار الثورة الجنسية على المجتمع أنها ” تجلب الإحباط و التغيير السريع في نمط حياة الفرد الذي يصبح اهتمامه منصبا على المتعة فقط. [لذلك] ستكون هناك اتجاهات نحو تحرير المرأة و إكسابها صفات الذكور، و تخنيث الرجال، و حل قدسية و حرمة الزواج، جنبًا إلى جنب مع تزايد اللادينية، و الأخلاق الحسية المبتذلة، و الدعارة، و الشعور الاجتماعي بالاستحقاق و التوقع السلبي الذي ستوفره الدولة”⁴ . (115).

لقد أبانت كل الأفكار التي جاء بها بيتريم سوروكين عن الدور الكبير للجنس عبر التاريخ. و ذلك لأن “عامل الجنس [يعد] من أهم أسباب تطور المجتمع أو انحطاطه. [خاصة] عندما يأخذ مساحة كبيرة جدًا في المجالات الاجتماعية و العقلية، فإنه يصبح قوة مدمرة لجميع المجالات الأخرى”⁵.

إضعاف الرأسمال الاجتماعي

لقد وقف عالم الاجتماع الأمريكي روبيرت بوتنام على حقيقة تدهور الرأسمال الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية نظرا لغياب  الثقة و المعاملة بالمثل. ومن أجل تعزيز قوة الرأس المال الاجتماعي يجب العمل على الرفع من حجم الثقة المتبادلة داخل مجتمع معين. وهو الأمر الذي يجعل الناس يشعرون بالارتباط و التمكين و السعادة. ومن أبرز عوامل تدهور الرأسمال الاجتماعي .-حسب بوتنام-. نجد تزايد نسبة الطلاق مما يجعل للأسرة معيل واحد، بالإضافة إلى الأمهات العازبات، و تزايد الصعوبات الاقتصادية و خروج المرأة للعمل.

لقد ساهمت مراكز رعاية الأطفال في إضعاف سلطة الأبوين على أبنائهم، حتى إن الأطفال أصبحوا يتلقون معاملة الأمراء. لأن الآباء يريدون إرضاء أبنائهم من خلال تلبية جميع طلباتهم⁶. و هذا يفقدهم حس المسؤولية، لأن ”الأشخاص الأنانيين لا يكتسبون الثقة و احترام الذات. بل يصبحون منفصلين عن الواقع بسبب الثقة المفرطة و الأنانية و الاقتناع بالاستحقاق الواجب”⁷. و هذا يزرع بذور النرجسية في نفوس الأفراد و يكسبها الفردانية القاتلة. لأن ” النرجسية هي الغذاء السريع للروح. فهي ذات مذاق رائع على المدى القصير، و لها عواقب سلبية، بل وخيمة، على المدى الطويل”⁸.

القضاء على الأسرة

لقد بات جليا أن الثورة الجنسية و كل ما يدور في فلكها تستهدف تشويه طبيعة الإنسان. وهي تعد اليوم جزءا أساسيا من استراتيجية ما بعد النوع transgendarism التي ترمي إلى التحكم في الإنسان و السيطرة على غرائزه. ولكل هذا غاية بعيدة المدى تصب في أجندة تقليل عدد السكان التي ترعاها خفية المؤسسات الدولية. وهذا يفرض على كل دارس للقضايا الدولية البحث عن الأهداف الخفية للمخططات التي تريد إنشاء حكومة عالمية واحدة. لأن “العديد من التغييرات الجادة تخضع لمرحلة صامتة و غير ملحوظة لمعظم العقول، قبل أن تصل إلى نقطة انفجار مفاجئ يصبح واضحًا لجميع المدارك. و مع ذلك، فإن القليل قادر على اكتشاف المدى البعيد لذلك التغيير و التنبؤ باتجاهه، و ربما عواقب هذا التغيير”⁹.

كما أن الاكتشافات العلمية في الفترات الأخيرة._ جزء كبير منها_. تروم  قولبة الإنسان و تفريغه من محتواه الروحي و القيمي. و هذا يجد ما يدعمه في القرآن الكريم، بحيث أن إبليس الذي ثار على تكريم الله لآدم عليه السلام، توعد بالانتقام من ذريته. حيث قال مخاطبا الله عز وجل ” أرايتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة، لأحتنكن ذريته إلا قليلا”. (سورة الإسراء، الآية 62). و قال أيضا ” و لآمرنهم فليغيرن خلق الله”.(سورة النساء الآية 118).

و إذا كان الله عز وجل قد خلق الإنسان و كرمه أولا و كلفه ثانيا. فإن قوى الشر تريد استعباده و تنزع عنه صفة خلافة الله في أرضه. بحيث تهدف استراتيجية ما بعد النوع إلى القضاء على الزواج و تغييب الأسرة، من أجل إغراق البشرية في وحل العلاقات الرضائية و الملذات التي نهاية لها.

مراجع المقال

¹ : the decay of american culture ? pitrim’s sorokin view on the relevance of the sex revolution, Andrzej Sarnacki, intercultural relations,2017, p 114.

² : the decay of american culture ? pitrim’s sorokin view on the relevance of the sex revolution, op cit, p 114.

³ : op cit, p 114.

⁴ : op cit, p 115.

⁵ : op cit, p 119.

⁶ : op cit, p 110.

⁷ : op cit, p 110.

⁸ : op cit, p 110.

⁹: op cit, p 105.106.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *