تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية (1/2)

أنهيت المقال السابق بالإشارة إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية تشكل جزءا أساسيا من سياسة ” المنتدى الاقتصادي العالمي“. و المقال هذا الذي قمت بترجمته يتحدث عن عشرة أدلة تؤكد أن الحرب في أوكرانيا هي جزء من خطة “إعادة الضبط الكبرى”. و في ما يلي محتوى المقال:

 مرحبًا بكم في المرحلة الثانية من “إعادة الضبط الكبرى”. الحرب.

عندما جعل الوباء العالم يتأقلم مع عمليات الإغلاق و يقبل الأدوية التجريبية. و عجّل بأكبر نقل للثروة إلى الشركات الكبرى. من خلال القضاء على الشركات الصغيرة و المتوسطة و تعديل سجل القوى العاملة استعدادًا لمستقبل إلكتروني. كانت الحاجة ملحة لناقل إضافي لتسريع عملية الانتقال و ذلك الانهيار الاقتصادي. قبل أن تتمكن الدول من “إعادة البناء بشكل أفضل“.

أُقَدِّم أدناه عدة طرق من خلالها يكون الصراع الحالي بين روسيا و أوكرانيا المحفز الموالي لأجندة “إعادة الضبط الكبرى” للمنتدى الاقتصادي العالمي. و التي يتم تسهيلها من خلال شبكة مترابطة من أصحاب المصلحة العالميين. و شبكة منتشرة من الشراكات بين القطاعين العام و الخاص.

1. تسببت الحرب بين روسيا و أوكرانيا بالفعل في حدوث اضطراب غير مسبوق في سلاسل التوريد العالمية. مما أدى إلى تفاقم نقص الوقود و تسببت في مستويات مزمنة من التضخم.

الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة تعمل على تسريع عملية"إعادة الضبط الكبرى".
الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة تعمل على تسريع عملية”إعادة الضبط الكبرى”.

مع تحول التوترات الجيوسياسية إلى صراع طويل الأمد بين الناتو و المحور الصيني الروسي. قد يؤدي الانكماش الثاني إلى دفع الاقتصاد إلى الركود التضخمي.

كما سيؤدي في السنوات المقبلة الجمع بين النمو دون المستوى و التضخم الجامح، إلى إجبار الطبقة الدنيا من الاقتصاد العالمي على الدخول في عقود عمل متناهية الصغر، و وظائف منخفضة الأجر، في اقتصاد قائم على العمل الناشئ.

ركود آخر سيؤدي إلى تفاقم التعطش للموارد العالمية، و تضييق نطاق الاكتفاء الذاتي. و زيادة الاعتماد بشكل كبير على الإعانات الحكومية.

كما يلوح في الأفق اندماج عالمي لجزء كبير من القوى العاملة الذي قد يكون مقدمة لاعتماد الدخل الأساسي العالمي. مما يؤدي إلى نظام إقطاعي جديد شديد الطبقية.

لذلك، يبدو أن التنبؤ المشؤوم للمنتدى الاقتصادي العالمي بأننا “لن نملك شيئًا و نكون سعداء” بحلول عام 2030 يتكشف بسرعة مروعة.

2. ستؤدي التداعيات الاقتصادية للحرب إلى تقليص دراماتيكي عالمي للقوى العاملة.

توقع مهندسو “عملية إعادة الضبط الكبرى” هذا الاتجاه منذ عدة سنوات. و سوف يستغلون هذا الاضطراب الاقتصادي من خلال دفع التقنيات التخريبية لمواجهة التحديات العالمية. و تغيير أنماط الأعمال التقليدية بشكل أساسي لمواكبة التغيرات التكنولوجية السريعة.

مثل الوباء، فإن التأهب للكوارث في عصر الصراع سيعتمد بشكل كبير على الرغبة في تبني ابتكارات تكنولوجية محددة في المجالين العام و الخاص. حتى تتمكن الأجيال القادمة من تلبية متطلبات العمل في ” عملية الضبط الكبرى”.

كما أن هناك موضوعا يتكرر في ما يخص تشكيل مستقبل الثورة الصناعية الرابعة ل”كلاوس شواب”. الذي يقول، بأن الابتكارات التكنولوجية و العلمية الرائدة لن تنحصر بعد الآن في العالم المادي من حولنا، و لكنها ستصبح امتدادًا لأنفسنا.

و يؤكد على أولوية التقنيات الناشئة في القوى العاملة من الجيل التالي. و يسلط الضوء على الحاجة الملحة للمضي قدمًا في خطط رقمنة العديد من جوانب القوى العاملة العالمية. من خلال حلول قائمة على التكنولوجيا القابلة للتطوير.

يسعى أولئك الذين يقودون عملية “إعادة الضبط الكبرى” إلى إدارة المخاطر الجيوسياسية من خلال إنشاء أسواق جديدة، تدور حول الابتكارات الرقمية و الاستراتيجيات الإلكترونية. و العمل عن بُعد و الذكاء الاصطناعي و الروبوتات و تكنولوجيا النانو و إنترنت الأشياء و إنترنت الأجسام.

تشير السرعة الفائقة التي يتم بها نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى أن تحسين هذه التقنيات سيؤثر في البداية على الصناعات و المهن التقليدية التي توفر شبكة أمان لمئات الملايين من العمال، مثل الزراعة. البيع بالتقسيط، التموين، التصنيع و صناعات البريد السريع .

و مع ذلك. فإن الأتمتة في شكل روبوتات و برامج ذكية و تعلم آلي لن تقتصر على الوظائف الروتينية و المتكررة و التي يمكن التنبؤ بها.

أنظمة الذكاء الاصطناعي على وشك الأتمتة الشاملة لمختلف وظائف ذوي الياقات( ربطات العنق) البيضاء. لا سيما في المجالات التي تتضمن معالجة المعلومات و التعرف على الأنماط مثل المحاسبة و الموارد البشرية و الوظائف الإدارية الوسطى.

على الرغم من أن توقع اتجاهات التوظيف المستقبلية ليس بالمهمة السهلة. إلا أنه من الآمن القول، إن التهديد المشترك للأوبئة و الحروب يعني أن القوى العاملة على وشك إجراء تعديل وزاري غير مسبوق مع التكنولوجيا التي تعيد تشكيل الخدمات اللوجستية. مما قد يهدد مئات الملايين من وظائف ذوي الياقات الزرقاء و البيضاء.

ذوو الياقات البيضاء و الزرقاء أكبر ضحايا “إعادة الضبط الكبرى”.

 مما سيؤدي إلى أكبر و أسرع إزاحة للوظائف في التاريخ. و ينذر بتحول في سوق العمل لم يكن من الممكن تصوره في السابق.

في حين أنه كان من المتوقع منذ فترة طويلة أن يؤدي الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا في القطاع الخاص إلى خسائر فادحة في الوظائف. كما أن الإغلاق الوبائي و الاضطراب القادم الناجم عن الحرب سوف يسرع هذه العملية. و لن يبقى أمام العديد من الشركات خيار آخر سوى تسريح الموظفين و استبدالهم بحلول تكنولوجية إبداعية لمجرد استمرار جدول أعمال تلك الشركات.

بعبارة أخرى. فإن العديد من الوظائف التي كانت ستزداد في السنين المقبلة ستُفقد و من غير المرجح استعادتها بمجرد هدوء الغبار.

3. أدت الحرب إلى الحد بشكل كبير من اعتماد أوربا على قطاع الطاقة الروسي. و عززت مركزية أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة و انبعاثات”صفر كربون” التي تقع في قلب عملية إعادة الضبط الكبرى:

استفاد صانعو السياسة الذين يسيرون بخطى ثابتة مع ” إعادة الضبط الكبرى” من العقوبات الصارمة ضد روسيا. من خلال تسريع التحول نحو الطاقة “الخضراء” و تأكيد أهمية إزالة الكربون كجزء من “مكافحة تغير المناخ”.

و مع ذلك، سيكون من قصر النظر افتراض أن “إعادة الضبط الكبرى” موجهة في النهاية نحو التوزيع العادل للهيدروجين “الأخضر”. و أنواع الوقود الاصطناعية الخالية من الكربون لتحل محل البنزين و الديزل.

في حين أن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ضرورية للتعافي بعد الجائحة. و الأهم من ذلك، أنها أساسية لتجديد رأسمالية المساهمين التي تتباهى بها الآن نخب دافوس باعتبارها “رأسمالية أصحاب المصلحة”.

من الناحية الاقتصادية، يشير هذا إلى نظام لم تعد فيه الحكومات هي الحَكَم الرئيسي لسياسات الدولة و تصبح في الواقع الشركات الخاصة غير المنتخبة مؤتمنة على المجتمع. و تتولى المسؤولية المباشرة لمواجهة التحديات الاجتماعية و الاقتصادية و البيئية في العالم. من خلال التعاون الاقتصادي الكلي مع أصحاب المصلحة المتعددين من أجل حكامة عالمية.

في ظل هذا الهيكل الاقتصادي. يمكن للتكتلات القابضة للأصول إعادة توجيه تدفق رأس المال العالمي من خلال ملاءمة الاستثمارات مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة و تكوينها. بحيث تتوافق مع الحكامة البيئية و الاجتماعية و الشركاتية. و يتسنى بناء أسواق دولية جديدة عبر استغلال الكارثة و بؤس مئات الملايين من الناس الذين يعانون من الانهيار الاقتصادي الناجم عن الحرب.

لذلك، تقدم الحرب دفعة هائلة للحكومات التي تسعى من خلال “إعادة الضبط الكبرى” إلى استقلال الطاقة و تشكيل الأسواق نحو “النمو الأخضر و الشامل”. و في نهاية المطاف نقل السكان نحو نظام الحد التجاري الأقصى و المعروف باسم “اقتصاد ائتمان الكربون”.

سيؤدي هذا إلى تركيز السلطة في أيدي أصحاب المصلحة تحت غطاء الخير المتمثل في إعادة اختراع الرأسمالية. من خلال وسائل أكثر عدلاً و  خضرة باستخدام شعارات خادعة مثل “إعادة البناء بشكل أفضل” دون التضحية بحتمية النمو الدائم للرأسمالية.

4: سيوفر نقص الغذاء الناجم عن الحرب نعمة كبيرة لصناعة البيولوجيا التركيبية. حيث سيؤدي التقارب بين التقنيات الرقمية و علم المواد و البيولوجيا، إلى إحداث تحول جذري في القطاع الزراعي و تشجيع اعتماد البدائل النباتية و المخبرية على نطاق عالمي.

تعتبر كل من روسيا و أوكرانيا بمثابة سلة خبز في العالم. و سيؤدي النقص الحاد في الحبوب و الأسمدة و الزيوت النباتية و المواد الغذائية الأساسية، إلى زيادة أهمية التكنولوجيا الحيوية في تحقيق الأمن الغذائي و استدامته. و سيؤدي إلى إنشاء العديد من شركات اللحوم المبتدئة المقلدة المشابهة لـ “الأطعمة المستحيلة ” بتمويل مشترك من قبل بيل جيتس.

لذلك يمكن للمرء أن يتوقع المزيد من اللوائح الحكومية لإدخال إصلاح جذري على إنتاج الأغذية الصناعية و زراعتها. مما يفيد في نهاية المطاف مستثمري الأعمال التجارية الزراعية و التكنولوجيا الحيوية. حيث سيتم إعادة تصميم النظم الغذائية من خلال التقنيات الناشئة لزراعة البروتينات “المستدامة” و محاصيل CRISPR(*) كريسبر المعدلة جينيًا.

5. إن استبعاد روسيا من SWIFT (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) ينذر بإعادة ضبط اقتصادي من شأنه أن يولد على وجه التحديد نوع من رد الفعل الضريبي اللازم، قصد إدراج أعداد كبيرة من سكان العالم في شبكة تحكم تكنوقراطية.

كما رأى العديد من الاقتصاديين. فإن تسليح SWIFT و CHIPS (نظام المدفوعات بين البنوك في غرفة المقاصة) و الدولار الأمريكي ضد روسيا، لن يؤدي إلا إلى تحفيز المنافسين الجيوسياسيين مثل الصين على تسريع عملية إزالة الدولار.(dedolarisation)

يبدو أن المستفيد الرئيسي من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا هو الصين. التي يمكنها إعادة تشكيل السوق الأوروبية الآسيوية من خلال تشجيع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) و بريكس، على تجاوز نظام SWIFT و تسوية المدفوعات الدولية عبر الحدود باليوان الرقمي.

في حين أن الطلب على العملات المشفرة سيشهد ارتفاعًا هائلاً. فمن المرجح أن يشجع ذلك العديد من الحكومات على تنظيم هذا القطاع بشكل متزايد من خلال سلاسل الكتل العامة. و فرض حظر متعدد الأطراف على العملات المشفرة اللامركزية.

قد يكون التحول إلى العملات المشفرة بمثابة دليل لتسريع خطط الأموال القابلة للبرمجة التي تشرف عليها الجهة التنظيمية الفيدرالية. مما يؤدي إلى زيادة القوة في أيدي تكنوقراطية عالمية قوية، و بالتالي ختم استعبادنا للمؤسسات المالية.

أعتقد أن هذه الحرب ستجعل العملات متساوية. و بالتالي تنذر بلحظة “بريتون وودز” جديدة تعد بتحويل كلي للتعاون المصرفي و الاقتصادي، من خلال اعتماد البنك المركزي على العملات الرقمية  في المستقبل.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *