نهاية الدولار الأمريكي

تتمة الجزء الثاني:

التخلص من العملة الاحتياطية بالدولار

كما أن للتأكيد على حقيقة أن النظام العالمي أحادي القطب المدعوم بالدولار قد انتهى، قال جيروم باول، حاكم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (الاحتياطي الفيدرالي)، في أبريل 2022:

  “تسير الميزانية الفيدرالية الأمريكية على مسار غير مستدام، مما يعني ببساطة أن الدين ينمو بشكل أسرع من الاقتصاد. و هذا بحكم التعريف غير مستدام بمرور الوقت”.

ثم أضاف تحذيرًا مطمئنًا و لكنه فارغ في النهاية:

  ” إنه لأمر مختلف أن نقول إن المستوى الحالي للديون لا يمكن تحمله. إنه ليس كذلك. المستوى الحالي للديون مستدام للغاية. و ليس هناك شك في قدرتنا على خدمة و إصدار هذا الدين في المستقبل المنظور”.

إذا كانت الآلهة متحالفة تماما، و لم تكن الجغرافيا السياسية موجودة، و انبثق السلام و الفرح العالميان، وركض العالم بسلاسة و بشكل متوقع، فربما كانت تطمينات باول معقولة. و لكن هذه ليست الطريقة التي يعمل بها العالم. كما أن ليس ل”إذا” باول الخيالية،  أي أساس لعملة احتياطية عالمية سليمة. كان اعترافه هو النقطة البارزة.

تبلغ نسبة الدين الحكومي الأمريكي حاليًا حوالي 137.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي. إن تكلفة الإجراءات المضادة لـ COVID-19 و رد الفعل الغربي للعقوبات على العمل العسكري الروسي في أوكرانيا. بما في ذلك المبالغ الهائلة التي استثمرتها الولايات المتحدة و بعض الدول الأوروبية في عسكرة أوكرانيا المفترضة. زاد الوضع سوءًا.

إن الديون الحكومية المتصاعدة تكاد تكون سيئة في كل اقتصاد غربي رئيسي آخر. تبلغ 103.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة و في الاتحاد النقدي الأوروبي (منطقة اليورو)، تجاوزت 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2021.

إن الأساس الاقتصادي و المالي و السياسي للعالم الأحادي القطب يتبخر بسرعة.

اقتصاد يغرق بالديون

كما يعلم محافظو البنوك المركزية مثل باول (الولايات المتحدة) و لاغارد (الاتحاد الأوروبي) و أندرو بيلي (المملكة المتحدة) إلفيرا نابيولينا (روسيا) و أغوستين كارستنز (بنك التسويات الدولية). و كما يعلم جميع اللاعبين الرئيسيين الآخرين مثل كارني (الأمم المتحدة). هناك كل الأسباب للتساؤل عن المدة التي يمكن للولايات المتحدة أن تستغرقها خدمة التزامات ديونها – أي سداد الحد الأدنى من المبلغ المطلوب.

إن الخيار الوحيد أمام أميركا، يتلخص في الإبقاء على تشغيل مطابع النقود المجازية (الوهمية). الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من التضخم و الخراب الاقتصادي في نهاية المطاف.

و مع غرق الاقتصاد الأميركي، تغرق العملة الاحتياطية العالمية المهيمنة. و على ما يبدو، حتى القوة المالية للأوليغارشية المتحالفة مع الغرب. هذا يبدو و كأنه تدمير ذاتي متعمد.

الديون ستكون سببا في نهاية الدولار الأمريكي.
الدولار الأمريكي يلتهم عملات العالم.

بعد يومين فقط من إطلاق ما يسمى ب “العملية العسكرية الخاصة” الروسية في أوكرانيا، أعلنت حكومات الولايات المتحدة و المملكة المتحدة و كندا و الاتحاد الأوروبي – جوهر مجموعة السبع الكبرى – أنها قررت تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي من العملات الأجنبية البالغة 630 مليار دولار.

بينما فعلت الإدارة الأمريكية هذا النوع من الأشياء من قبل، فقد فعلت ذلك لأفغانستان قبل أسبوعين، حيث أخذت ثروة دولة متقدمة كبرى و عضو زميل في مجلس الأمن الدولي، و أرسلت بذلك إشارات جد واضحة إلى بقية العالم.

أهمية الاحتفاظ بالعملة الأجنبية

تحتفظ البلدان باحتياطيات من العملات الأجنبية لأسباب عديدة، و لكن أهمها الاحتياط ضد الآثار الاقتصادية للأزمات بمختلف أنواعها.

فعلى سبيل المثال، إذا انخفضت قيمة عملة دولة ما، فإن الاحتفاظ باحتياطيات من عملة أجنبية مستقرة يضمن قدرتها على الحفاظ على مستويات التجارة الدولية على المدى القصير. بالنسبة لبعض الأسواق، و لا سيما سوق النفط العالمية، تتم التجارة بأغلبية ساحقة بالعملة الاحتياطية الرائدة الحالية، الدولار الأمريكي.

و بما أنه لا يوجد إطار واحد شامل ل “القانون الدولي” يفصل في العملة الاحتياطية. فإن مفهوم “النظام الدولي القائم على القواعد قابلا للتطبيق” في أي وقت مضى، كان قابلا للتطبيق على الدور المتفق عليه للدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية.

إدانة العمل التدخل الروسي في أوكرانيا

و بغض النظر عن أخلاقيات العمل العسكري الذي تقوم به الحكومة الروسية أو تكلفته البشرية. فإن المجموعة الغربية أحادية القطب، باستيلائها على احتياطيات روسيا استنادا إلى خلاف محض في السياسة الخارجية، قد أعلنت للعالم أن “نظامها القائم على القواعد الدولية” لا معنى له على الإطلاق.

و السبب الوحيد الذي يجعل الدول القومية توافق على الاحتفاظ بعملة احتياطية عالمية مهيمنة، تتجاوز القوة الاقتصادية، هو أنها تثق في استقرار تلك العملة. إذا تم الاستيلاء على احتياطيات العملات هذه، و حتى إن رغبت الدولة المصدرة في ذلك، عندها لا يمكن أن تكون هذه العملة أكثر استقرارًا و تكون قد فقدت مصداقيتها كاحتياطي قابل للاستمرار.

على الرغم من مزاعم السياسيين الغربيين و دعاة وسائل الإعلام الرئيسية (MSM)، فإن العالم بأسره ليس موحدًا في إدانته للعمل العسكري الروسي في أوكرانيا. خارج أمريكا الشمالية و أوروبا و أستراليا، فإن غياب اللوم  يبدو ملحوظا. من خلال الاستيلاء على احتياطيات روسيا، أعلن ما يسمى بـ «النظام القائم القائم على القواعد » بشكل أو بآخر لبقية العالم، أن الدولار الأمريكي، كعملة احتياطية عالمية، قد مات.

يبدو أن فلاديمير بوتين كان محقًا في ملاحظة:

” إن فرض العقوبات هو الاستمرار المنطقي و التقطير السياسي غير المسؤول و القصير النظر، للحكومات و البنوك المركزية في الولايات المتحدة و دول الاتحاد الأوروبي. [. . . ] تعرض الاقتصاد و التجارة العالميين ككل لضربة كبيرة، و كذلك الثقة في الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رئيسية. يمثل التجميد غير المشروع لبعض احتياطيات العملة لبنك روسيا نهاية موثوقية ما يسمى بأصول الدرجة الأولى. [. . .] الآن الجميع يعلم أن الاحتياطيات المالية يمكن سرقتها ببساطة”.

كما أسقط بعض إشارات الفضيلة، مشيدًا بالقطاع الخاص الروسي لجهوده في «التنمية المستدامة»:

” أود أن أشكر مجتمع الأعمال و الفرق في الشركات و البنوك و المنظمات، التي لا تستجيب بفعالية للتحديات المتعلقة بالعقوبات فحسب. بل تضع أيضا التنمية المستدامة المستمرة أساسا لاقتصادنا”.

ميلاد نظام مالي جديد

كما قررت الدول القومية المتحالفة مع الناتو و التي تقف وراء العقوبات. قطع البنوك التجارية الروسية تدريجياً من شبكة جمعية الاتصالات المالية بين البنوك العالمية (SWIFT).

هذا هو نظام الاتصالات المالية الدولي الذي يمكّن البنوك و المؤسسات المالية من إشعار بعضها البعض بتحويلات الأموال الدولية باستخدام مجموعة موحدة من الرموز.

لدى كل من روسيا و الصين بدائل محتملة لنظام SWIFT. طورت روسيا نظامها لنقل الرسائل المالية (SPFS) في عام 2014 و الصين نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (CIPS) في عام 2015.

وفقًا للبنك المركزي الروسي (CBR)، توسع نظام نقل الرسائل المالية (SPFS) بسرعة استجابة للعقوبات. من المحتمل أن يحل كلا النظامين محل النظام الغربي، ولكن يبدو أن نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (CIPS) هو البديل الأكثر ترجيحًا لـ SWIFT.

كان الهدف المعلن لمجموعة السبع من هذه العقوبات هو قطع وصول الاتحاد الروسي إلى الأسواق العالمية، لكن العالم مكان كبير. كان كل ما فعلته العقوبات، هو تقليص قدرة روسيا على مبادلة طاقتها و سلع أساسية أخرى مثل الحبوب، و البلاديوم. و هو ضروري لتصنيع أشباه الموصلات، مع الغرب. في المقام الأول على حساب الغرب الخاص.

لطالما سعت روسيا و الصين إلى “إلغاء الدولار” عن اقتصاديهما و أبرمتا العديد من الاتفاقيات التجارية الثنائية خارج نظام الدولار. و بهذه العقوبة، سلم الغرب الاتحاد الروسي أحد أهداف سياسته الخارجية النقدية الرئيسية على طبق من ذهب. إنه نوع غريب من العقاب.

أفاد صندوق النقد الدولي هذا العام، أن البلدان في جميع أنحاء العالم قد نوعت بشكل متزايد احتياطاتها من العملات الأجنبية على مدى العقدين الماضيين. في الربع الأخير من سنة 2021، انخفضت حصة الدولار من عملات الاحتياطي العالمي بالفعل إلى أقل من 59٪. و وفرت العقوبات المفروضة على الاتحاد الروسي دفعة قوية للطموحات الروسية و الصينية لإعادة ضبط العملات الاحتياطية العالمية لصالح اقتصاديهما.

عملة البريكس

في يونيو 2022، بعد العقوبات، أعلنت دول البريكس عن خططها لإنشاء شكل جديد من الأصول الاحتياطية العالمية بناءً على سلة من عملات البريكس. هذا يشكل تحديا مباشرا لحقوق السحب الخاصة (SDRs) التي يخصصها صندوق النقد الدولي للدول القومية. بناءً على القيمة الأساسية للعملات في «السلة»، يمكنهم استبدالها، مثل أي أصل، بالسلع أو الخدمات أو السلع – أو استردادها بالعملة.

تحرير “إيان دافيس” – ترجمة “منير علام”.

يتبع…

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *