المغرب… و صندوق النقد الدولي

زارت مديرة صندوق النقد الدولي “كريستالينا جورجيفا” المغرب ما بين 17 و 21 يونيو الماضي  2023، و التقت مدير بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، كما التقت أيضا بوزيرة الاقتصاد و المالية “نادية فتاح”.

و تأتي هذه الزيارة في إطار التحضيرات للاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي الذي سيقام بمراكش من 09 إلى 15 أكتوبر 2023، و هو أول اجتماع لصندوق النقد الدولي في دولة عربية.

أعلنت “جورجيفا” خلال زيارتها، أن العملات الرقمية للبنك المركزي بحاجة إلى أن تكون قابلة للتشغيل البيني بين البلدان. مشيرةً إلى أن. “إذا أردنا أن نكون ناجحين لا يمكن أن تكون عملات البنوك المركزية الرقمية عبارة عن مقترحات وطنية مجزأة.”

كما أضافت كريستالينا. “لكي تكون المعاملات أكثر كفاءة و عدلا نحتاج إلى أنظمة تربط البلدان، أي نحتاج إلى قابلية التشغيل البيني”.

و لكي تكون كلماتها مسموعة و ذات معنى. قالت بأن” العملات الرقمية للبنوك المركزية ستسهل الوصول للخدمات المالية و ستخفض التكلفة، كما أنها ستسرع المعاملات عبر الحدود”.

لكن ما يتم تلميعه و مدحه من طرف المؤسسات المالية الكبرى غالبا ما يحمل في طياته بذورا شريرة، إذ إن العملات الرقمية للبنوك المركزية CBDC ستختصر السلط في يد سلطة واحدة مما يمكن أن ينتج نظاما شيوعيا شموليا مركزيا سيراقب أفعال الناس و تحركاتهم تحت ما يسمى “نظام الائتمان الاجتماعي”.

مديرة صندوق النقد الدولي التي ستشرف على قمة مراكش في المغرب.
كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق الدولي.

تحذيرات الخبراء

حذر العديد من الخبراء من خطورة هذا الوضع و على رأسهم “روبرت كيوساكي” مؤلف الكتاب المشهور “الأب الغني و الأب الفقير” حيث قال عن التكنوقراطيين، “من خلال تتبع كل معاملة مالية، سيكون بإمكانهم الوصول إلى كل تفاصيل إنفاقنا و رواتبنا و كيف نخصص مواردنا”.

و أضاف متحدثا عن العملة الرقمية، “في جوهرها، تستنسخ المجتمع البائس لجورج أورويل الذي تم تصويره في رواية “1984”. و سوف يراقب الأخ الأكبر باستمرار نشاطنا المالي، و هذه هي بالضبط مشكلة العملة الرقمية للبنك المركزي”.

كما حذر كيوساكي أيضا من عواقب هذه المراقبة الشديدة قائلا، “أصبحت متوترا من التفكير في هذا. لا أريدهم أن يراقبوا كل معاملاتي أو أن يكونوا مطلعين على عاداتي في الإنفاق. إنه انتهاك لخصوصيتي، و لا شأن لهم بمعرفة كيف أختار تقسيم مواردي”.

تخطيط الاحتياطي الفدرالي

فصندوق النقد الدولي الذي يسعى لتفعيل التعاملات المالية بين الدول من خلال ربط الأبناك، يجد صداه لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي الذي أعلن في مارس الماضي عن إطلاق خدمة Fednow خلال شهر يوليوز الحالي. و تسعى هذه الخدمة إلى “تمكين جميع الأبناك الأمريكية من تقديم مدفوعات فورية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع”. يعني هذا أن إجراء أي عملية بين الأبناك سيتم في حينه. و هذا عكس ما كان معتمدا في الماضي، حيث إن تحويل مبلغ مالي من بنك إلى آخر كان يستغرق 48 ساعة.

و تعتبر خدمة Fednow الأساس الذي ستقوم عليه” العملة الرقمية”. كما ستعمل هذه الخدمة أيضا على تشييد البنية التحتية الخاصة ب”العملة الرقمية للبنك المركزي”. و ذلك من خلال ربط كل حساب بنكي بالبنك المركزي في أي دولة. أي أن البنك المركزي سيراقب كل عملية يقوم بها أي بنك، حيث إن كل العمليات ستصبح تحت سقف واحد.

بنك الاحتياطي الفدرالي أكبر حليف لصندوق النقد الدولي.
بنك الاحتياطي الفدرالي

يتجلى هذا التركيز في أن كل حساب بنكي سيفتح سيكون له اتصال مباشر مع البنك المركزي.

و بعد أن يصبح البنك المركزي يشرف على الأبناك الصغرى بشكل مباشر، سيبدأ بالعمل على منع تداول النقود. و لترويج هذه الفكرة كان قد نشر موقع هيسبريس الإلكتروني خبرا مفاده أن والي بنك المغرب “عبد اللطيف الجواهري” يدعو لفرض ضريبة  على كل المعاملات النقدية. فهذه دعوة صريحة لفرض العملة الرقمية.

إذن، يبدو أن الغاية من العملة الرقمية للبنك المركزي ليست بتاتا تسهيل الخدمات و تيسير العمولات عبر الحدود، بل السعي الحثيث لجعل حياة الأفراد تحت المراقبة الشاملة.

أجندة الأمم المتحدة

و على نفس خطى صندوق النقد الدولي و الاحتياطي الفيدرالي، وضعت الأمم المتحدة رؤية “أجندتنا المشتركة” التي سيبدأ العمل بها في شتنبر سنة 2024 خلال “قمة المستقبل”، و من خلال تلك الأجندة تسعى الأمم المتحدة لوضع “نظام هوية رقمي عالمي مرتبط بالحسابات المصرفية للأفراد”.

و كما هو الحال دائما، يتم التحجج بالحماية و توفير الأمن حيث نجدهم يقولون. “يمكن للهويات الرقمية المرتبطة بحسابات الأموال المصرفية أو عبر الهاتف المحمول، تحسين تقديم تغطية الحماية الاجتماعية و العمل على الوصول بشكل أفضل إلى المستفيدين المؤهلين”.

كما تسعى الهوية الرقمية إلى مراقبة كافة أنشطة الزبناء و المنخرطين. لأن “التقنيات الرقمية قد تساعد في تقليل التسرب و الأخطاء و التكاليف في تصميم برامج الحماية الاجتماعية”.

و قد ركزت “أجندتنا المشتركة” الخاصة بالأمم المتحدة على “إصلاح الهيكل المالي العالمي” و يتضمن الإصلاح النقط التالية:

  • إدارة المؤسسات المالية الدولية العامة، مثل المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف و صندوق النقد الدولي.
  • واضعو المعايير المالية الذين ينشؤون قواعد إدارة التمويل الخاص، مثل مجلس الاستقرار المالي، بنك التسويات الدولية، و المنظمة الدولية للأوراق المالية.
  • اللجان و مجلس معايير المحاسبة الدولية و فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية
  • الترتيبات النقدية ، مثل الترتيبات المالية الإقليمية و شبكة خطوط التبادل الثنائية.
  • مجموعات البلدان غير الرسمية التي تعمل بوصفها واضعة المعايير، مثل مجموعة السبعة و مجموعة الـ 20.
  • مجموعات الدائنين التي تعالج قضايا الديون السيادية، بما في ذلك نادي باريس ، و نادي لندن، و الإطار المشترك لمعالجات الديون بعد مبادرة تعليق خدمة الديون المتفق عليها من قبل بلدان مجموعة العشرين و نادي باريس، و الرابطة الدولية لسوق رأس المال فضلاً عن وكالات التصنيف الائتماني العالمية .
  • الهيئات الرسمية و لكن غير العالمية لوضع المعايير، و لا سيما منظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي.
  • الأمم المتحدة كجهة تضع المعايير و تنفذها.
غلاف تقرير “أجندتنا المشتركة”
التنمية المستدامة للأمم المتحدة

هذه إذن النقط الأساسية التي سترعاها الأمم المتحدة في القادم من الأيام، و التي توحي بأن تغييرا كبيرا سيطال القطاع المالي.

فالأمم المتحدة في جميع خططها و برامجها تركز على التنمية المستدامة التي تجعل من الإنسان صلب اهتمامها. لكن في حقيقة الأمر تريد تقييد حرية الإنسان عن طريق تطويقه بعالم رقمي من جميع الجوانب.

و هذا الأمر يعد جوهر رؤية 2030 . حيث سيصبح العالم في قبضة نخبة من التكنوقراطيين الذين سيختصرون العالم في شبكة رقمية مراقبة بإحكام.

إذن من خلال هذه الفقرات، يبدو جليا أن الأمم المتحدة تعمل بشكل موازي مع الأبناك الكبرى و المؤسسات الدولية الكبرى. كأن وراءها حكومة واحدة خفية تتحين الفرصة لتظهر بشكل واضح و جلي و علني. فهذا السعي الحثيث له غاية واحدة تتجلى في تشكيل حكومة عالمية واحدة. و الفترة الحالية ما هي إلا فترة انتقالية يطلقون عليها ” إعادة الضبط الكبرى”. و هي عملية يشرف عليها كلوس شواب بتنسيق مع المؤسسات الدولية الكبرى السالفة الذكر.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *