إسرائيل الكبرى

يقول هنري كيسنجر: “حصافة رجل الدولة الحقيقي هو أن يسير في إطار أساسه صحة توقعاته”. و حكام إسرائيل منذ 1948 يسيرون في اتجاه تحقيق توقعات الآباء المؤسسين التي تنصب حول إسرائيل الكبرى. فرحى الحرب لم تكن تتوقف حتى تبدأ من جديد، فاندلعت حرب 1967، ثم بعدها حرب 1973. دون ذكر الحروب البينية ( أي بين الجيش الإسرائيلي و المقاومة الفلسطينية). و القيادة الإسرائيلية تدرك جيدا ” أن تشن الحرب يعني أن تفكر و أن تجمع بين الأفكار و أن تتوقع و أن تتدبر بعمق و أن توظف الوسائل”¹. و بهذا اكتسبت إسرائيل قوة أكثر من ذي قبل، لأن إسرائيل ” تعتنق مذهب دفع الحدود إلى الأمام” كما عبر عن ذلك حامد ربيع.

الاستراتيجية العسكرية

فالخبرة العسكرية الإسرائيلية حققت مكاسب عديدة، و بعد أن تمكنت من تثبيت جذورها غيرت من استراتيجيتها. فعوض الدخول في حرب مباشرة مع الدول العربية، جعلت من هذه الدول تحارب بعضها. لهذا تم الزج ب”حافظ الأسد” في لبنان سنة 1982 لدعم الموارنة المسيحيين، و تم افتعال الصراع بين العراق و إيران، و هي الحرب التي كلفت الكثير من الأموال و الأرواح و انتهت باحتلال العراق. و إيران التي ساعدت في تخريب العراق سيتصاب بما رمت به العراق.

و تغيرت قواعد اللعبة من جديد، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي انتقل الصراع إلى الشرق الأوسط. خاصة بعد بروز داعش، التنظيم الذي حير العالم، و ساهم في تخريب سوريا و تشريد شعب مغلوب على أمره.

فإسرائيل تتبع خطة بعيدة المدى و لا تريد من ينافسها بل تريد أتباعا فقط، و هذا ما عبر عنه كيسنجر حين قال.: ” قديما كانت الحروب فيها رابح و خاسر، الآن نريد حروبا كل من فيها خاسر”.

و التخطيط العسكري لا ينفصل عن الاستراتيجية الاقتصادية. فإسرائيل لن تبقى تابعة لأمريكا تنفق عليها و تدافع عنها، بل ستصبح إمبراطورية كبرى أقوى من أمريكا، و لهذا فهي تعد لذلك اليوم.

كانت النكبة الفلسطينية بداية مسلسل إسرائيل الكبرى.
النكبة الفلسطينية 1948. “ويكيبديا”.

الاستراتيجية الاقتصادية

ينصب تركيز إسرائيل على إفريقيا لأنها لازالت فقيرة و في حاجة للاستثمارات. لذلك، رأينا دولا قد برزت منذ فترة وجيزة و أصبح اقتصادها يضرب به المثل. و يتعلق الأمر بإثيوبيا و رواندا، دون أن ننسى الحديث عن دبي أسطورة الخليج. و المغرب هو الآخر منذ سنة 2016 شرع في تنفيذ استثمارات قوية في عدة دول إفريقية، و توِّج ذلك التعاون باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، و هو اعتراف سيجلب استثمارات قوية من إسرائيل و أمريكا و من دول أخرى مختلفة، و سيرتكز الاقتصاد على الطاقة الحرة و الثورة الحضراء، مما سيرفع من عائدات تلك الاستثمارات. كما أن المغرب سيصبح بوابة نحو دول غرب إفريقيا، لذلك من المحتمل إنشاء تكتل اقتصادي جديد يضم الدول الإفريقية قصد تعميق الشراكة الاقتصادية.

إذن، فإسرائيل إن كانت دولة قوية، فهي قوية بالتخطيط الاستراتيجي و النظر البعيد. فكل من يتولى المسؤولية هناك يحمل في قلبه ” الإيمان الراسخ” بدولة قوية مسيطرة.

و هنا يدخل عنصر الدين على الخط. لأن إسرائيل تقدس كتابها و تُبَخِّس الكتب السماوية الأخرى، و ذلك التقديس رسخته الصهيونية العقائدية. لهذا ف”التركيبة السياسية في إسرائيل تقوم على أساس تحالف ثلاثي : الكتلة الدينية، التوجه المحافظ و الجيش و رجال المؤسسة العسكرية. القوى الثلاثة تريد التوسع: الأولى استجابة للنبوءة الدينية، و الثانية لتخلق لنفسها أسواقا جديدة، و الجيش الذي يريد تحقيق انتصارات و فتوحات عسكرية”.²

إسرائيل الكبرى

تسعى إسرائيل إلى تشكيل إمبراطورية شاسعة الأطراف. فبالإضافة إلى المجال الفعلي من النيل إلى الفرات، لها بعد حيوي أيضا من المغرب غربا إلى أفغانستان شرقا، و من تركيا شمالا إلى إثيوبيا جنوبا. و هذه الحيوية شريانها الاقتصاد و الاستثمارات. فالتخطيط الاستراتيجي لا يرتكز على المجال العسكري فقط بل يمتد إلى المجال الاقتصادي أيضا. و هذا ما تعمل عليه الطبقة الحاكمة في إسرائيل. فالرأسمال الإسرائيلي لا يقتصر فقط على منطقة معينة، لكن يضع نصب عينيه الأهداف الاستراتيجية البعيدة، لأن الواقع متقلب، و المستقبل البعيد صناعة الحاضر.

ففي خطاب أمام منظمة aipac سنة 2018. قال بنيامين نتنياهو أن إسرائيل متواجدة في كل دول العالم، و ذلك بفضل صناعتها و تقنياتها. كما قال أيضا ” أن العديد من دول العالم ستقبل على التعامل مع إسرائيل لأنها ستصبح قوة مهيمنة”. و الهيمنة هذه لا تتحقق بدولة صغيرة الحجم، بل لا يتأتى ذلك إلا بإمبراطورية شاسعة الأطراف.

و تقوم الاستراتيجية البعيدة المدى على ” تحويل تل أبيب إلى عاصمة سياحية و مصرفية في الشرق الأوسط. بل و في علاقات هذه المنطقة بالقارات الثلاث. العاصمة السياحية تعني ربط تل أبيب بالعالم القديم من خلال أربعة خطوط حديدية. إحداها يتجه إلى طهران عبر بغداد، و الثاني يخترق صحراء سيناء ليصل إلى الرباط على امتداد ساحل البحر الأبيض المتوسط الإفريقي. و الثالث يدور حول البحر الأحمر مخترقا شبه الجزيرة العربية شرقا، و حوض وادي النيل غربا. لتجتمع هذه الروافد الثلاثة في تل أبيب. ليصعد منها خط رابع إلى أوربا عبر استانبول و ليعيد إلى الحياة في صورة أكثر عصرية قطار الشرق القديم. المهم أنه في هذا التصور تصير تل أبيب و قد أضحت العاصمة العالمية للسياحة التقليدية في دول القارات الثلاث القديمة. و هكذا تتعانق النواحي الاقتصادية بالأبعاد العسكرية و كلاهما يجتمعان في توظيف إقليمي لصالح النفوذ الدولي. و في توظيف دولي لصالح التوسع الإقليمي لدولة إسرائيل “

مشروع نيوم

 كما أن الهيمنة في المستقبل ستكون هيمنة ذكية، أي بواسطة الذكاء الاصطناعي. لذلك، فإسرائيل تعد العدة لكي تقود العالم بمعايير جديدة لم يسبق أن عايشها الإنسان.

مدينة نيوم المطلة على البحر الأحمر، التي سيكتمل تجهيزها سنة 2030. موقع Animalia

و لهذه الغاية تم دعم محمد بن سلمان  في السعودية من أجل الدفع بأجندة ” صفر كربون” إلى الأمام بهدف الترويج للطاقة النظيفة. و ذلك ما يتم الدعاية له من خلال مشروع the line في مدينة نيوم  Neom. التي تمتد بشكل خطي على مسافة 170 كلم, و ستكون مدينة ذكية صديقة للبيئة. لذلك يلتقي هذا الهدف مع أهداف النظام العالمي الجديد و الحكومة العالمية الواحدة، التي بدأ التخطيط لها منذ زمن بعيد. و شُرع في تنزيل تلك الأجندات منذ سنة 2020، و لا ندري إلى ما ستؤول إليه الأوضاع. 

القدس عاصمة إسرائيل

و ليس خاف على أحد أن أغلب رؤساء الشركات العابرة للقارات يهود، و العائلات المتنفذة في العالم محسوبة على اليهود، و هؤلاء كلهم يضعون قضية ” القدس عاصمة إسرائيل” فوق كل اعتبار. 

و قد علمنا التاريخ أن لا تقوم إمبراطورية حتى تسقط أخرى، و الإمبراطورية البريطانية ليست منا ببعيد. فقد انهارت بعد حربين مدمرتين، و تركت المجال للولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت في أيامها الأخيرة.

بسقوط بلاد العم سام، سيبزغ نجم التنين الأصفر الذي سيكمل ما بدأه العم سام، و سيواصل تعبيد الطريق أمام إسرائيل لتحكم العالم. سيتهافت حينها اليهود و كل من يريد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي على إسرائيل. لن تبقى القدس وقتئذ عاصمة إسرائيل فقط بل ستصبح عاصمة العالم، منها تدار شؤون العالم ضمن حكم جمهوري عالمي فاشي. 

حينها سيظهر الوجه الحقيقي لأصحاب الصهيونية. و سيعلم اليهود أنهم قد لُعب بهم كما غرر بالكثير من المغفلين. و إلان بابيه كان محقا عندما قال ” عجبا لقوم لا يؤمنون بالله يقولون أن الله قد وعدهم أرض إسرائيل”.

_________

¹: حرب و استراتيجية، نهوج و مفاهيم،(الجزء الأول)، جوزيف هينروتين، أوليفييه شميث، ستيفان تايَّات، ترجمة أيمن منير، سلسلة عالم المعرفة، عدد 472، ص: 17.

²: كيف تفكر إسرائيل، حامد ربيع، دار الوفاء، ص 28.

³: مصر و الحرب القادمة، نحو وعي سياسي و استراتيجي و تاريخي، ، حامد ربيع، دار  الوفاء، ص:67.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *